وقال ابن عجيبة فى الآيات السابقة :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) ﴾
قلت :( ومن تاب ) : عطف على فاعل ( استقم ) ؛ للفصل، ( فَتَمَسَّكُمُ ) : جواب النهي. ويقال : ركن يركن : كعَلِم يعلم، وركن يركن : كدخل يدخل، و ( ثم لا تنصرون ) : مستأنف لا معطوف، و ( طرفي ) : منصوب على الظرفية. و ( زلفاً )، كقربة، أزلفه : قربة.
يقول الحق جل جلاله :﴿ فاستقمْ ﴾ يا محمد ﴿ كما أُمرت ﴾، ﴿ و ﴾ ليستقم ﴿ من تابَ معك ﴾ من الكفر وآمن بك. وهي شاملة للاستقامة في العقائد، كالتوسط بين التشبيه والتعطيل، بحيث يبقى العقل مصوناً من الطرفين، وفي الأعمال ؛ من تبليغ الوحي، وبيان الشرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط ولا إفراط. وهي في غاية العسر. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :« شَيَّبَتنِي هُود » قاله البيضاوي.
قال المحشي الفاسي : واللائق أن إشفاقه عليه الصلاة والسلام من أجل أمته لا من أجل نفسه ؛ لأجل نفسه ؛ لأجل عصمته، وإنما أشفق عليهم لتوعد اللعن لهم بقوله :﴿ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم ﴾ [ الأعراف : ١٦ ]. أ هـ قلت : ولا يعبد أن يكون أشفق عليه الصلاة والسلام من صعوبة استقامته التي تليق به، فبقدر ما يعلو المقام يطلب بزيادة الأدب، وبقدر ما يشتد القرب يتوجه العتاب. ولذلك كان الحق تعالى يعاتبه على ما لا يعاتب عليه غيره. وقد قالوا : حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقد تقدم كلام الإحياء في قوله :﴿ أَلا بُعداً لِعَادٍ ﴾ [ هود : ٦٠ ].


الصفحة التالية
Icon