﴿ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب ﴾ أي : التوراة ﴿ فاختلف فِيهِ ﴾ أي : في شأنه وتفاصيل أحكامه، فآمن به قوم، وكفر به آخرون، وعمل بأحكامه قوم، وترك العمل ببعضها آخرون، فلا يضق صدرك يا محمد بما وقع من هؤلاء في القرآن ﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي : لولا أن الله سبحانه قد حكم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلاح لقضى بينهم : أي بين قومك، أو بين قوم موسى فيما كانوا فيه مختلفين، فأثيب المحقّ وعذب المبطل ؛ أو الكلمة هي : أن رحمته سبحانه سبقت غضبه، فأمهلهم ولم يعاجلهم لذلك.
وقيل : إن الكلمة هي أنهم لا يعذبون بعذاب الاستئصال، وهذا من جملة التسلية له ﷺ، ثم وصفهم بأنهم في شك من الكتاب فقال :﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ ﴾ أي : من القرآن، إن حمل على قوم محمد ﷺ، أو من التوراة، إن حمل على قوم موسى عليه السلام، والمريب : الموقع في الريبة.
ثم جمع الأوّلين والآخرين في حكم توفية العذاب لهم، أو هو والثواب فقال :﴿ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو بكر "وإن" بالتخفيف على أنها إن المخففة من الثقيلة وعملت في ﴿ كلا ﴾ النصب، وقد جوّز عملها الخليل وسيبويه، وقد جوّز البصريون تخفيف " إن " مع إعمالها، وأنكر ذلك الكسائي وقال : ما أدري على أيّ شيء قرىء ﴿ وإن كلا ﴾ ؟ وزعم الفراء أن انتصاب ﴿ كلا ﴾ بقوله :﴿ ليوفينهم ﴾، والتقدير : وإن ليوفينهم كلا، وأنكر ذلك عليه جميع النحويين.
وقرأ الباقون بتشديد ﴿ إن ﴾ ونصبوا بها ﴿ كلا ﴾.
وعلى كلا القراءتين فالتنوين في ﴿ كلا ﴾ عوض عن المضاف إليه : أي وإن كل المختلفين.
وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر ﴿ لما ﴾ بالتشديد، وخففها الباقون.


الصفحة التالية
Icon