وقال ابن عطية :
﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾
﴿ لولا ﴾ هي التي للتحضيض - لكن يقترن بها هنا معنى التفجع والتأسف الذي ينبغي أن يقع من البشر على هذه الأمم التي لم تهتد، وهذا نحو قوله :﴿ يا حسرة على العباد ﴾ [ يس : ٣٠ ]، و﴿ القرون من قبلكم ﴾ هم قوم نوح وعاد وثمود ومن تقدم ذكره، والقرن من الناس : المقترنون في زمان طويل أكثره - فيما حد الناس - مائة سنة، وقيل ثمانون وقيل غير ذلك إلى ثلاثين سنة ؛ والأول أرجح لقول النبي ﷺ :" أرأيتكم ليلتكم هذه فإن إلى رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " قال ابن عمر : يريد أنها تخرم ذلك القرن و﴿ بقية ﴾ هنا يراد بها النظر والعقل والحزم والثبوت في الدين، وإنما قيل :﴿ بقية ﴾ لأن الشرائع والدول ونحوها - قوتها في أولها ثم لا تزال تضعف فمن ثبت في وقت الضعف فهو بقية الصدر الأول.
وقرأت فرقة :" بقية " بتخفيف الياء وهو رد فعيلة إلى فعلة، وقرأ أبو جعفر وشيبة " بُقْية " بضم الباء وسكون القاف على وزن فُعلة.
و﴿ الفساد في الأرض ﴾ هو الكفر وما اقترن به من المعاصي، وهذه الآية فيها تنبيه لأمة محمد وحض على تغيير المنكر والنهي عن الفساد ثم استثنى الله تعالى القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم. و﴿ قليلاً ﴾ نصب على الاستثناء وهو منقطع عند سيبويه، والكلام عنده موجب، وغيره يراه منفياً من حيث معناه أنه لم يكن فيهم أولو بقية.
وقرأ جمهور الناس " واتبعَ " على بناء الفعل للفاعل، وقرأ حفص بن محمد :" واتبع " على بنائه للمفعول، ورويت عن أبي عمرو.