وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ كَانَ ﴾ أي فهلاّ كان.
﴿ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ ﴾ أي من الأمم التي قبلكم.
﴿ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ ﴾ أي أصحاب طاعة ودين وعقل وبصر.
﴿ يَنْهَوْنَ ﴾ قومهم.
﴿ عَنِ الفساد فِي الأرض ﴾ لِما أعطاهم الله تعالى من العقول وأراهم من الآيات ؛ وهذا توبيخ للكفار.
وقيل : لولا هاهنا للنفي ؛ أي ما كان من قبلكم ؛ كقوله :﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ ﴾ [ يونس : ٩٨ ] أي ما كانت.
﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ استثناء منقطع ؛ أي لكن قليلاً.
﴿ مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ نهوا عن الفساد في الأرض.
قيل : هم قوم يونس ؛ لقوله :"إِلاَّ قَوْمُ يُونُسَ".
وقيل : هم أتباع الأنبياء وأهل الحق.
﴿ واتبع الذين ظَلَمُواْ ﴾ أي أَشْرَكُوا وَعَصَوا.
﴿ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ ﴾ أي من الاشتغال بالمال واللذات، وإيثار ذلك على الآخرة.
﴿ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى ﴾
أي أهل القرى.
﴿ بِظُلْمٍ ﴾ أي بشرك وكفر.
﴿ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق ؛ أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان، وقوم لوط باللواط ؛ ودلّ هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشِّرك، وإن كان عذاب الشّرك في الآخرة أصعب.
وفي صحيح الترمذيّ من حديث أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ".
وقد تقدّم.
وقيل : المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مسلمون، فإنه يكون ذلك ظلماً لهم ونقصاً من حقهم، أي ما أهلك قوماً إلا بعد إعذار وإنذار.