ولما كان الاختلاف قد يكون بغير الكفر بين أنه به، فقال مؤكداً لأن كل طائفة من اليهود تنكر شكها فيه وفعلها فعل الشاك :﴿وإنهم لفي شك﴾ أي عظيم محيط بهم ﴿منه﴾ أي من القضاء أو الكتاب ﴿مريب﴾ أي موقع في الريب والتهمة والاضطراب مع ما رأوا من الآيات التي منها سماع كلام الله ورؤية ما كان يتجلى في جبل الطور من الجلال ويتبدى لهم في قبة الزمان من خارق الأحوال ﴿وإن كلاًّ﴾ من المختلفين في الحق من قوم موسى وغيرهم ممن هو على الحق وممن هو على الباطل ؛ و ﴿إن﴾ عند نافع وابن كثير وأبي بكر عن عاصم عاملة مع تخفيفها من الثقيلة في قراءة غيرهم اعتباراً بأصلها ﴿لما﴾ هي في قراءة ابن عامر وحمزة وعاصم بالتشديد الجازمة حذف فعلها - قال ابن الحاجب : وهو شائع فصيح، وفي قراءة غيرهم بالتخفيف مركبة من لام الابتداء و ﴿ما﴾ المؤكدة بنفي نقيض ما أثبته الكلام ليكون ثبوته مع نفي نقيضه على أبلغ وجه.
ولما كان الشرط في حذف الفعل بعد " لما " الجازمة أن يكون مما يتوقع بوقوع فعل قبلها يدل عليه، كان التقدير : يقض بينهم، وسيقضي وهو معنى ما قرن بعدها بلام القسم من قوله :﴿ليوفينهم ربك﴾ أي المحسن إليك بإقامتك على المنهاج الأعدل والفضل من العباد ﴿أعمالهم﴾ لا يدع منها شيئاً لأنه لا يخفى عليه منها شيء، والسياق يقتضي أن يكون ﴿ما﴾ في ﴿لما﴾ في قراءة التخفيف للتأكيد على النحو الذي مر غير مرة أن النافي إذا زيد في سياق الإثبات كان كأنه نفي النقيض تأكيداً لمثبت ﴿إنه بما يعملون﴾ قدم الظرف لتأكيد الخبر ﴿خبير﴾ فإذا علمت أن شأنك في أمتك شأن الرسل في أممهم وأنه لا بد من الاختلاف في شأن الرسول والكتاب كما جرت بذلك السنة الإلهية وأن الجزاء بالأعمال كلها لا يد منه ﴿فاستقم﴾ أي أوجد القوم بغاية جهدك بسبب أنك لا تكلف إلاّ نفسك وأن الذي أرسلك لا يغفل عن شيء، ومن استقام استقيم له.