قالوا : ولا يجوز أن يقال : وللاختلاف خلقهم، ويدل عليه وجوه : الأول : أن عود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى من عوده إلى أبعدهما، وأقرب المذكورين ههنا هو الرحمة، والاختلاف أبعدهما.
والثاني : أنه تعالى لو خلقهم للاختلاف وأراد منهم ذلك الإيمان، لكان لا يجوز أن يعذبهم عليه، إذ كانوا مطيعين له بذلك الاختلاف.
الثالث : إذا فسرنا الآية بهذا المعنى، كان مطابقاً لقوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ].
فإن قيل : لو كان المراد وللرحمة خلقهم لقال : ولتلك خلقهم ولم يقل : ولذلك خلقهم.
قلنا : إن تأنيث الرحمة ليس تأنيثاً حقيقياً، فكان محمولاً على الفضل والغفران كقوله :﴿هذا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى﴾ [ الكهف : ٩٨ ] وقوله :﴿إن رحمة الله قريب من المحسنين﴾ [ الأعراف : ٥٦ ].
والقول الثاني : أن المراد وللاختلاف خلقهم.
والقول الثالث : وهو المختار أنه خلق أهل الرحمة للرحمة وأهل الاختلاف للاختلاف.
روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : خلق الله أهل الرحمة لئلا يختلفوا، وأهل العذاب لأن يختلفوا، وخلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً، والذي يدل على صحة هذا التأويل وجوه : الأول : الدلائل القاطعة الدالة على أن العلم والجهل لا يمكن حصولهما في العبد إلا بتخليق الله تعالى.
الثاني : أن يقال : إنه تعالى لما حكم على البعض بكونهم مختلفين وعلى الآخرين بأنهم من أهل الرحمة وعلم ذلك امتنع انقلاب ذلك، وإلا لزم انقلاب العلم جهلاً وهو محال.
الثالث : أنه تعالى قال بعده :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾ وهذا تصريح بأنه تعالى خلق أقواماً للهداية والجنة، وأقواماً آخرين للضلالة والنار، وذلك يقوي هذا التأويل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٨ صـ ٦١ ـ ٦٣﴾