فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى ذكر خاتمة شريفة عالية جامعة لكل المطالب الشريفة المقدسة فقال :﴿وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض ﴾.
واعلم أن مجموع ما يحتاج الإنسان إلى معرفته أمور ثلاثة.
وهي : الماضي والحاضر والمستقبل.
أما الماضي فهو أن يعرف الموجود الذي كان موجوداً قبله، وذلك الموجود المتقدم عليه هو الذي نقله من العدم إلى الوجود، وذلك هو الإله تعالى وتقدس.
واعلم أن حقيقة ذات الإله وكنه هويته غير معلومة للبشر ألبتة، وإنما المعلوم للبشر صفاته، ثم إن صفاته قسمان : صفات الجلال، وصفات الإكرام.
أما صفات الجلال، فهي سلوب، كقولنا : إنه ليس بجوهر ولا جسم، ولا كذا ولا كذا.
وهذه السلوب في الحقيقة ليست صفات الكمال، لأن السلوب عدم، والعدم المحض والنفي الصرف، لا كمال فيه، فقولنا لا تأخذه سنة ولا نوم إنما أفاد الكلام لدلالته على العلم المحيط الدائم المبرأ عن التغير ولولا ذلك كان عدم النوم ليس يدل على كمال أصلاً، ألا ترى أن الميت والجماد لا تأخذه سنة ولا نوم وقوله :﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ﴾ [ الأنعام : ١٤ ] إنما أفاد، الجلال والكمال والكبرياء، لأن قوله :﴿وَلاَ يُطْعَمُ﴾ يفيد كونه واجب الوجود لذاته غنياً عن الطعام والشراب بل عن كل ما سواه، فثبت أن صفات الكمال والعز والعلو هي الصفات الثبوتية، وأشرف الصفات الثبوتية الدالة على الكمال والجلال صفتان : العلم والقدرة، فلهذا السبب وصف الله تعالى ذاته في هذه الآية بهما في معرض التعظيم والثناء والمدح.
أما صفة العلم فقوله :﴿وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض﴾ والمراد أن علمه نافذ في جميع الكليات والجزئيات والمعدومات والموجودات والحاضرات والغائبات، وتمام البيان والشرح في دلالة هذا اللفظ على نهاية الكمال ما ذكرناه في تفسير قوله سبحانه وتعالى :﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾