"وكذلك حين نلتقي بها مرة أخرى بعدما دخل يوسف السجن بسبب كيدها وكيد النسوة ; وبقي هناك حتى رأى الملك رؤياه، وتذكر الفتى الذي كان سجينا معه أن يوسف هو وحده الذي يعرف تأويل الرؤيا، فطلب الملك أن يأتوه به، فأبى حتى يحقق قضيته، ويبريء ساحته، فاستدعاها الملك مع النسوة. وإذا بها ما تزال المرأة المحبة، مع التغير الطبيعي الواقعي الذي يحدثه الزمن والعمر والأحداث والظروف ; ومع تسرب الإيمان الذي تعرفه من يوسف من خلال تلك المشاعر والمؤثرات جميعا:
وقال الملك: ائتوني به. فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسأله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ؟ إن ربي بكيدهن عليم. قال: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟ قلن: حاش لله ! ما علمنا عليه من سوء. قالت امرأة العزيز: الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه، وإنه لمن الصادقين. ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. وما أبريء نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم..
ويوسف.. العبد الصالح - الإنسان - لم يزور الأداء القرآني في شخصيته الإنسانية لمحة واحدة ; وهو يواجه الفتنة بكل بشريته - مع نشأته في بيت النبوة وتربيته ودينه - وبشريته مع نشأته وتربيته ودينه تمثل بمجموعها واقعيته بكل جوانبها.. لقد ضعف حين همت به حتى هم بها ; ولكن الخيط الآخر شده وأنقذهمن السقوط فعلا. ولقد شعر بضعفه إزاء كيد النسوة. ومنطق البيئة، وجو القصور، ونسوة القصور أيضا ! ولكنه تمسك بالعروة الوثقى.. ليست هنالك لمحة واحدة مزورة في واقعية الشخصية وطبيعتها ; وليس هنالك رائحة من مستنقعات الجاهلية ووحلها الفني ! ذلك أن هذا هو الواقع السليم بكل جوانبه..
والعزيز.. وشخصيته بطبيعتها الخاصة، وبطبيعة سمت الإمارة ; ثم بضعف النخوة، وغلبة الرياء الاجتماعي وستر الظواهر وإنقاذها ! وفيه تتمثل كل خصائص بيئته: