قال أبو عبد الله المازَريّ : والأكثر والأصح عند أهل الحديث " من ستة وأربعين " قال الطّبريّ : والصواب أن يقال إن عامة هذه الأحاديث أو أكثرها صحاح، ولكل حديث منها مخرج معقول ؛ فأما قوله :"إنها جزء من سبعين جزءاً من النبوّة" فإن ذلك قول عام في كل رؤيا صالحة صادقة، ولكل مسلم رآها في منامه على أي أحواله كان ؛ وأما قوله :"إنها من أربعين أو ستة وأربعين" فإنه يريد بذلك من كان صاحبها بالحال التي ذكرت عن الصدّيق رضي الله عنه أنه كان بها ؛ فمن كان من أهل إسباغ الوضوء في السَّبَرات، والصبر في الله على المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فرؤياه الصالحة إن شاء الله جزء من أربعين جزءاً من النبوّة، ومن كانت حاله في ذاته بين ذلك فرؤياه الصادقة بين جزءين ؛ ما بين الأربعين إلى الستين، لا تنقص عن سبعين، وتزيد على الأربعين ؛ وإلى هذا المعنى أشار أبو عمر بن عبد البر فقال : اختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي اختلاف متضاد متدافع والله أعلم لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والدِّين المتين، وحسن اليقين ؛ فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد ؛ فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوّة أقرب : كما أن الأنبياء يتفاضلون ؛ قال الله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ ﴾ [ الإسراء : ٥٥ ]