وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ اقتلوا يُوسُفَ ﴾
في الكلام حذف ؛ أي قال قائل منهم :"اقتلوا يُوسُفَ" ليكون أحسم لمادة الأمر.
﴿ أَوِ اطرحوه أَرْضاً ﴾ أي في أرض، فأسقط الخافض وانتصب الأرض ؛ وأنشد سيبويه فيما حذف منه "في" :
لَدْنٌ بهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ...
فيه كما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
قال النحاس : إلا أنه في الآية حسَن كثير ؛ لأنه يتعدّى إلى مفعولين، أحدهما بحرف، فإذا حذفت الحرف تعدّى الفعل إليه.
والقائل قيل : هو شمعون، قاله وهب بن منبّه.
وقال كعب الأحبار ؛ دان.
وقال مقاتل : روبيل ؛ والله أعلم.
والمعنى أرضا تبعد عن أبيه ؛ فلا بدّ من هذا الإضمار لأنه كان عند أبيه في أرض.
﴿ يَخْلُ ﴾ جزم لأنه جواب الأمر ؛ معناه : يخلص ويصفو.
﴿ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ﴾ فيقبل عليكم بكليته.
﴿ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي من بعد الذنب، وقيل : من بعد يوسف.
﴿ قَوْماً صَالِحِينَ ﴾ أي تائبين ؛ أي تحدثوا توبة بعد ذلك فيقبلها الله منكم ؛ وفي هذا دليل على أن توبة القاتل مقبولة، لأن الله تعالى لم ينكر هذا القول منهم.
وقيل :"صَالِحِينَ" أي يصلح شأنكم عند أبيكم من غير أثرة ولا تفضيل.
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (١٠) ﴾
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى :﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ ﴾ القائل هو يهوذا، وهو أكبر ولد يعقوب ؛ قاله ابن عباس.
وقيل : روبيل، وهو ابن خالته، وهو الذي قال :"فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ" ( الآية ).
وقيل : شمعون.
﴿ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب ﴾ قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة "في غيابةِ الجب".
وقرأ أهل المدينة "فيِ غَيَابَاتِ الْجُبِّ" واختار أبو عبيد التوحيد ؛ لأنه على موضع واحد ألقوه فيه، وأنكر الجمع لهذا.


الصفحة التالية
Icon