قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة ؛ "وغيابات" على الجمع يجوز ( من وجهين ) : حكى سيبويه سِيرَ عليه عشيَّاناتٍ وأصيلاناتٍ، يريد عشِية وأصيلا، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلا ؛ فكذا جعل كل موضع مما يُغيّب غَيابة.
( والآخر أن يكون في الجبّ غيابات ( جماعة ).
ويقال : غاب يَغيبُ ) غيَبْا وغَيابة وغِيَابا ؛ كما قال الشاعر :
أَلاَ فالبَثَا شهرين أو نصفَ ثالثٍ...
أَنَا ذَا كُمَا قد غَيَّبتنْيِ غِيَابِيَا
قال الهرويّ : والغَيابة شبه لَجَفٍ أو طاق في البئر فويق الماء، يغيب الشيء عن العين.
وقال ابن عُزَيْز : كل شيء غيّب عنك شيئاً فهو غَيابة.
قلت : ومنه قيل للقبر غَيابة ؛ قال الشاعر :
فإن أنا يوماً غَيَّبتنيِ غَيَابَتيِ...
فَسِيروا بسَيْرِي في العَشِيرِة والأَهل
والجبّ الرَّكِيَّة التي لم تُطْوَ، فإذا طُويت فهي بئر ؛ قال الأعشى :
لئن كنتَ في جبٍّ ثمانين قامةً...
ورُقِّيتَ أسبابَ السَّماءِ بُسلّمِ
وسميت جُبًّا لأنها قُطِعت في الأرض قَطْعاً ؛ وجمع الجبّ جِببة وجِباب وأجباب ؛ وجمع بين الغَيابة والجبّ لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجبّ حتى لا يلحقه نظر الناظرين.
قيل : هو بئر ببيت المقدس، وقيل : هو بالأرْدُن ؛ قاله وهب بن منبّه.
مقاتل : وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.
الثانية : قوله تعالى :﴿ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة ﴾ جزم على جواب الأمر.
وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة :"تَلْتَقِطْهُ" بالتاء، وهذا محمول على المعنى ؛ لأن بعض السيّارة سيّارة ؛ وقال سيبويه : سقطت بعض أصابعه، وأنشد :
وتَشْرَقَ بالقولِ الّذي قد أَذعتَه...
كما شَرِقتْ صَدْرُ القَناةِ من الدَّمِ
وقال آخر :
أَرَى مَرَّ السِّنينَ أَخَذْنَ منيّ...
كَمَا أَخَذَ السَّرَارُ من الهِلالِ
ولم يقل شَرِق ولا أخذت.


الصفحة التالية
Icon