لأن المتشابه من ابتلاءات الإيمان.
والمثل الذي أضربه هنا هو أمره ﷺ لنا أن نستلم الحجر الأسود وأن نُقبِّله، وأن نَرْجُم الحجر الذي يمثل إبليس، وكلاهما حجر، لكننا نمتثل بالإيمان لما أمرنا به ﷺ.
وأنت لو أقبلتَ على كل أمر بحُكْم عقلك، وأردتَ أن تعرف الحكمة وراء كل أمر، لَعبدْتَ عقلك، والحق سبحانه يريد أن تُقبِل على الأمور بِحُكْمِه هو سبحانه.
وأنت إن قلتَ لواحد : إن الخمر تهري الكبد. ووضعت على كبده جهاز الموجات فوق الصوتية الذي يكشف صورة الكبد، ثم ناولتَ الرجل كأس خمر ؛ فرأى ما يفعله كأس الخمر في الكبد، ورَاعَه ذلك ؛ فقال : والله لن أشربها أبداً.
هل هو يفعل ذلك لأنه مؤمن؟ أم أنه ربط سلوكه بالتجربة؟
لقد ربط سلوكه بالتجربة، وهو يختلف عن المؤمن الذي نفَّذ تعاليم السماء فامتنع عن الخمر لأن الله أمر بذلك، فلا يمكن أن نؤجل تعاليم السماء إلى أن تظهر لنا الحكمة منها.
إذن : فعِلَّة المُتَشابه ؛ الإيمان به. وقد يكون للمُتَشابه حكمة ؛ لكِنَّا لن نُؤجِّل الإيمان حتى نعرف الحكمة.
وأقول دائماً : يجب أن يعامل الإنسانُ إيمانَه بربه معاملته لطبيبه، فالمريض يذهب إلى طبيبه ليعرض عليه شكواه من مرض يؤلمه ؛ ليصفَ الطبيب له الدواء، كذلك عمل عقلك ؛ عليه أن ينتهي عند عتبة إيمانك بالله.
ونجد من أقوال أهل المعرفة بالله مَنْ يقول : إن العقل كالمطيَّة، يُوصِّلك إلى باب السلطان، لكنه لا يدخل معك.
إذن : فالذي يناقش في عِلَل الأشياء هو مَنْ يرغب في الحديث مع مُسَاوٍ له في الحكمة، وهل يوجد مُسَاوٍ لله؟
طبعا لا، لذلك خُذْ افتتاحيات السور التي جاءت بالحروف المقطعة كما جاءت، واختلافنا على معانيها يؤكد على أنها كَنْز لا ينفذ من العطاء إلى أن تُحل إنْ شاء الله من الله.


الصفحة التالية
Icon