ومن العجيب أن آيات القرآن كلها مبنيةٌ على الوَصْل، ففي آخر سورة هود نجد قول الحق سبحانه :﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [ هود : ١٢٣ ].
وكان من المفترض أن نقف عليها فننطق كلمة " تعملون " ساكنة النون، لكنها موصولة ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ لذلك جاءت النون مفتوحة.
وأيضاً ما دامت الآيات مبنية على الوصل، كان من المفروض أن ننطق بدء سورة يوسف " ألفٌ لامٌ رَاءٌ " لكن الرسول ﷺ علَّمنَا أن نقرأها " ألفْ لامْ راءْ " وننطقها ساكنة.
وهذا دليل على أنها كلمة مبنية على الوقف، ودليل على أن لله سبحانه حكمة في هذا وفي ذاك.
ونحن نعلم أن الرسول ﷺ كان يراجع القرآن مرة كل رمضان مع جبريل عليه السلام وراجعه مرتين في رمضان الذي سبق وفاته ﷺ.
وهكذا وصلنا القرآن كما أنزله الحق سبحانه على رسوله الكريم ﷺ.
وهنا يقول الحق :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين ﴾ [ يوسف : ١ ].
و" تلك " إشارة لما بَعْدَ ( الر )، وهي آيات الكتاب.
أي : خذوا منها أن آيات القرآن مُكوَّنة من مثل هذه الحروف، وهذا فَهْم البعض لمعنى :﴿ الر... ﴾ [ يوسف : ١ ] لكنه ليس كل الفهم.
مثل : صانع الثياب الذي يضع في واجهة المحل بعضاً من الخيوط التي تم نَسْج القماش منها ؛ ليدلنا على دِقَّة الصنعة.
فكأنَّ الله سبحانه يُبيِّن لنا أن ﴿ الر... ﴾ [ يوسف : ١ ] أسماء لحروف هي من أسماء الحروف التي نتكلم بها، والقرآن تكوَّنت ألفاظه من مثل تلك الحروف، ولكن آيات القرآن معجزة، لا يستطيع البشر ولو عاونهم الجن أن يأتوا بمثله.
إذن : فالسُّمو ليس من ناحية الخامة التي تُكوِّن الكلام، ولكن المعجزة أن المتكلم هو الحق سبحانه فلا بد أن يكون كلامه مُعجزاً ؛ وإن كان مُكوَّناً من نفس الحروف التي نستخدمها نحن البشر.