وحين نزل فيهم القرآن عَلِم أهل فارس والروم أن تلك الأمة المُبتدِّية قد امتلكتْ ما يبني حضَارة ليس لها مثل من قَبْل، رغم أن النبي أمِيٌّ وأن الأمة التي نزل فيها القرآن كانت أمية.
وفارس والروم يعلمون أن الرسول الذي نزل في تلك الأمة تحدَّاهم بما نبغُوا فيه، وما استطاع واحد منهم أن يقوم أمام التحدي، ومن هنا شعروا أنهم أمام تحد حضاري من نوع آخر لم يعرفوه.
ويشاء الحق سبحانه أن ينزل القرآن عربياً ؛ لأن الحق لم يكن ليرسل رسولاً إلا بلسان قومه، فهو القائل :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ... ﴾ [ إبراهيم : ٤ ].
وأُرسِلَ محمد ﷺ بالقرآن، الذي تميَّز عن سائر كتب الرسل الذين سبقوه ؛ بأنه كتاب ومعجزة في آنٍ واحد، بينما كانت معجزات الرسل السابقين عليه ﷺ مُنْفصلةً عن كُتب الأحكام التي أُنزِلَتْ إليهم.
ويظلُّ القرآن معجزة تحمل منهجاً إلى أنْ تقومَ الساعة، ومادام قد آمنَ به الأوائل وانساحوا في العالم، فتحقق بذلك ما وعد به الله أن يكون هذا الكتابُ شاملاً، يجذب كل مَنْ لم يؤمن به إلى الانبهار بما فيه من أحكام.
ولذلك حين يبحثون عن أسباب انتشار الإسلام في تلك المدة الوجيزة، يجدون أن الإسلام قد انتشر لا بقوة مَنْ آمنوا به ؛ بل بقوة مَنْ انجذبوا إليه مَشْدُوهِين بما فيه من نُظُمٍ تُخلِّصهم من متاعبهم.
ففي القرآن قوانين تُسعِد الإنسانَ حقاً، وفيه من الاستنباءات بما سوف يحدث في الكون ؛ ما يجعل المؤمنين به يذكرون بالخشوع أن الكتاب الذي أنزله الله على رسولهم لم يفرط في شيء.
وإذا قال قائل من المستشرقين : كيف تقولون : إن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين ؛ رغم وجود ألفاظ أجنبية مثل كلمة " آمين " التي تُؤمِّنُون بها على دعاء الإمام ؛ كما توجد ألفاظ رومية، وأخرى فارسية؟