، وتركت إعادتها دون غيرها من القصص صوناً للأكابر عن ذكر ما ربما أوجب اعتقاد نقص، أو توجيه طعن أو غمص، أو هون داء الحسد، عند ذي تهور ولدد، وخللها سبحانه ببليغ الحكم وختمها بما أنتجت من ثبوت أمر القرآن ونفي التهمة عن هذا النبي العظيم.
هذا مناسبة ما بين السورتين، وأما مناسبة الأول للآخر فإنه تعالى لما أخبر في آخر تلك بتمام علمه وشمول قدرته، دل على ذلك أهل السبق من الفصاحة والفوت في البلاغة في أول هذه بما فعل في كلامه من أنه تعالى يقدر على أن يأتي بما تذهب الأفهام والعقول - على كرِّ الأزمان وتعاقب الدهور وتوالي الأيام وتمادي الليالي - في معناه كل مذهب وتطير كل مطار مع توفر الدواعي واستجماع القوى، ولا تقف من ذلك على أمر محقق ولا مراد معلوم وعلى أن يأتي بما يفهم بأوائل النظر أدنى معناه فهما يوثق بأنه مراد، ثم لا يزال يبرز منه من دقائق المعاني كلما كرر التأمل وتغلغل الفهم إلى حد يعلم أنه معجوز عن كل ما فيه من جليل معانيه ولطيف مبانيه فقال تعالى :﴿الر﴾ قال الروماني : لم تعد الفواصل لأنها لا تشاكل رؤوس الآيات لأنها على حرفين، فأجريت مجرى الأسماء الناقصة، وإنما يؤم بالفواصل التمام، وأما " طه " فيعد لأنه يشبه رؤوس آيها - انتهى.
وهذا قول من ذهب سهواً إلى أن السجع مقصود في القرآن، وهو قول مردود غير معتد به كما مضى القول فيه في آخر سورة براءة، فإنه لا فرق بين نسبته إلى أنه شعر وبين نسبته إلى أنه سجع، لأن السجع صنع الكهان فيؤدي ذلك إلى ادعاء أنه كهانة وذلك كفر لا شك فيه، وقد أطنبت فيه في كتابي مصاعد النظر، وبينت مذاهب العادين للآيات وأن مرجعها التوقيف مثل نقل القراءات سواء - والله الهادي.