من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
" بسم الله الرحمن الرحيم "
الاسم من وسم، فمن وسم ظاهره بالعبودية، وسرائره بمشاهدة الربوبية فقد سمت همته إلى المراتب العلية، وأزلفت رتبته من المنازل السنية.
أو أن الاسم مشتق من السمة أو السمو.
وقد الله سبحانه اسم الله في هذا المحل على اسميه الرحمن والرحيم على وجه البيان والحكم، فبرحمته الدنيوية وصل العبد إلى معرفته الإلهية.
والإشارة من الباء التي هس حرف التضمين والإلصاق إلى أن به عرف من عرف وبه وقف من وقف فالواصل إليه محمول بإحسانه ن والواقف دونه مربوط بخذلانه.
﴿ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) ﴾
التخاطُب بالحروف المتفرقة غير المنظومة سُنَّةُ الأحباب في سَتْر المحابِّ ؛ فالقرآنُ - وإنْ كان المقصودُ منه الإيضاحَ والبيانَ - ففيه تلويح وتصريح، ومُفَصَّلٌ ومُجْمَلٌ، قال قائلهم :
أبكي إلى الشرق إنْ كانت منازْلُكم... مما يلي الغربَ خوفَ القيل والقالِ
ويقال وقفت فهُومُ الخَلْق عن الوقوف على أسراره فيما خاطب به حبيبه - ﷺ -، فهم تعبدوا به وآمنوا به على الجملة أفرد الحبيبَ بفهمه، فهو سِرُّ الحبيب عليه السلام بحيث لا يطلع عليه الرقيب، يقول قائلهم :
بين المحيين سِرُّ ليس يُفْشيه... قولٌ، ولا قلم للخْلق يحكيه
وفي إنزال هذه الحروف المقطعة إشارة : وهي أنَّ منْ كان بالعقل والصحو استنبط من اللفظ اليسير كثيراً من المعاني، ومن كان بالغيبة والمحو يسمع الكثير فلا يفهم منه اليسير ؛ ذاك لكمال عقله وهذا لتمام وَصْلِه ؛ فأنزل اللَّهُ هذه الحروف التي لا سبيلَ إلى الوقوف على معانيها، ليكون للأحباب فُرْجَةٌ حينما لا يقفون على معانيها بِعَدَم السبيل إليها فلا تتوجه عليهم مُطَالَبةٌ بالفهم، وكان ذلك لائقاً بأحوالهم إذا كانوا مستغرِقين في عين الجَمْع، ولذا قيل : استراح من العقل له.
وقوله تعالى :﴿ تِلْكَ ﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى أن هذا خَبَرُ الوعد الذي وعدناك.
وقيل هذا تعريفنا : إليك بالتخصيص، وأفرادُنا لك بالتقريب- قد حقَّقْناه لكَ ؛ فهذه الحروف بيانٌ للإنجاز ولتحقيق الموعود.


الصفحة التالية
Icon