وتأمل.
﴿ وَجَاءوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾
أي ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه كما يقال للكذاب : هو الكذب بعينه والزور بذاته، ومن ذلك ما في قوله :
أفيضوا على عزابكم من بناتكم...
فما في كتاب الله أن يحرم الفضل
وفيهن فضل قد عرفنا مكانه...
فهن به ﴿ جود ﴾ وأنتم به ﴿ مَن بَخِلَ ﴾
> وبعضهم يؤوّل كذب بمكذوب فيه فإن المصدر قد يؤوّل بمثل ذلك، وقرأ زيد بن على رضي الله عنهماكذباً بالنصب وخرج على أنه في موضع الحال من فاعل ﴿ جَاءوا ﴾ بتأويل كاذبين، وقيل : من دم على تأويل مكذوباً فيه، وفيه أن الحال من النكرة على خلاف القياس، وجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي جاءوا بذلك لأجل الكذب، وقرأت عائشة رضي الله تعالى عنها والحسن كدب بالدال المهملة وليس من قلب الذال دالاً بل هو لغة أخرى بمعنى كدر أو طرى أو يابس فهو من الاضداد، وقال صاحب اللوامح : المعنى ذي كدب أي أثر لأن الكدب بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها فهو كالنقش ويسمى ذلك الفوق ولم يعتبر بعض المحققين تقدير المضاف وجعل ذلك من التشبيه البليغ أو الاستعارة فإن الدم في القميص يشبه الكدب من جهة مخالفة لونه لون ما هو فيه، وقوله سبحانه :﴿ على قَمِيصِهِ ﴾ على ما ذهب إليه أبو البقاء حال من دم، وفي جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف غير الزائد خلاف، والحق كما قال السفاقسي : الجواز لكثرة ذلك في كلامهم، وفي اللباب ولا تتقدم على صاحبها المجرور على الأصح نحو مررت جالسة بهند إلا أن يكون الحال ظرفاً على أن الحق ما اختاره ابن مالك من جواز التقديم مطلقاً، وقال الزمخشري.


الصفحة التالية
Icon