وقيل : المراد من قوله :﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ أني اتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين بل أبقى على ما كنت عليه معكم وهو خلاف الظاهر جداً ﴿ والله المستعان ﴾ أي المطلوب منه العون وهو إنشاء منه عليه السلام للاستعانة المستمرة ﴿ على مَا تَصِفُونَ ﴾ متعلق بالمستعان والوصف ذكر الشيء بنعمته وهو قد يكون صدقاً وقد يكون كذباً، والمراد به هنا الثاني كما في قوله سبحانه :﴿ سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [ الصافات : ١٨٠ ] بل قيل : إن الصيغة قد غلبت في ذلك ومعنى استعانته عليه السلام بالله تعالى على كذبهم طلبه منه سبحانه إظهار كونه كذباً بسلامة بوسف عليه السلام والاجتماع معه فيكون ذكر الاستعانة هنا نظير ﴿ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [ يوسف : ٨٣ ] بعد قوله فيما بعد :﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾، وفي بعض الآثار أن عائشة رضي الله عنها قالت يوم الإفك : والله لئن حلفت لا تصدقوني ولئن اعتذرت لا تعذروني فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وولده والله المستعان على ما تصفون فأنزل الله تعالى في عذرها ما أنزل، وقيل : المراد إنه تعالء المستعان على احتمال ما تصفونه من هلاك يوسف كأنه عليه السلام بعد أن قال : صبر جميل طلب الإعانة منه تعالى على الصبر وذلك لأن الدواعي النفسانية تدعو إلى إظهار الجزع وهي قوية والدواعي الروحانية الصبر الجميل فكأنه وقعت المحاربة بين الصفتين فما لم تحصل المعونة منه جل وعلا لا تحصل الغلبة، فقوله :﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ يجرى مجرى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ] ﴿ والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ﴾ يَجْرِى مجرى ﴿ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ] ولعل الأول أسلم من القال والقيل، وللإمام الرازي عليه الرحمة في هذا المقام بحث، وهو : أن الصبر على قضاء الله تعالى واجب وأما الصبر على ظلم الظالمين ومكر الماكرين فغير واجب بل الواجب إزالته


الصفحة التالية
Icon