فَمِثْلُ هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَنْطِقِيِّ الْعَقْلِيِّ الْبَدِيعِ يَتَوَقَّفُ نَظْمُهُ وَسَرْدُهُ عَلَى سَبْقِ الْعِلْمِ بِالْقِصَّةِ وَتَتَبُّعِ حَوَادِثِهَا وَالْإِحَاطَةِ بِدَقَائِقِهَا، ثُمَّ عَلَى وَضْعِ تَرْتِيبٍ يُنَسَّقُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَالْقِصَصِ الْفَنِّيَّةِ الْمُتَكَلَّفَةِ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْمُقَدِّمَةُ وَالْخَاتِمَةُ فِي الْغَايَةِ الَّتِي أُلِّفَتِ الْقِصَّةُ لِأَجْلِهَا، فَتَجْعَلُ الْأُولَى بَرَاعَةَ مَطْلَعٍ، وَالْآخِرَةَ بَرَاعَةَ مَقْطَعٍ، فَقُلْ لِمَنْ جَهِلَ سِيرَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَارِيخَهُ : إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ قَارِئًا وَلَا كَاتِبًا، وَلَا خَطِيبًا وَلَا شَاعِرًا، وَلَا مُؤَرِّخًا، وَلَا رَاوِيًا، وَلَا حَافِظًا لِلشِّعْرِ وَلَا نَاثِرًا، بَلْ كَانَ كَمَا قَالَ اللهُ - تَعَالَى - غَافِلًا عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَكُلِّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّورَةُ الْقَصِيرَةُ فَيُعَجِّلُ بِقِرَاءَتِهَا لِئَلَّا يَنْسَى مِنْهَا شَيْئًا، فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَمَا عَرَضَ لَهُ فِي أَثْنَاءِ نُزُولِ سُورَةِ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ٧٥ : ١٦ - ١٩ وَبِقَوْلِهِ : وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ٢٠ : ١١٤ وَقَوْلِهِ :(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى) ٨٧ : ٦ وَقَوْلِهِ :(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ١٥ : ٩