قال أصحاب العربية وهم الفراء والمبرد والزجاج وابن الأنباري ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي مكذوب فيه، إلا أنه وصف بالمصدر على تقدير دم ذي كذب ولكنه جعل نفسه كذباً للمبالغة قالوا : والمفعول والفاعل يسميان بالمصدر كما يقال : ماء سكب، أي مسكوب ودرهم ضرب الأمير وثوب نسج اليمن، والفاعل كقوله :﴿إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً﴾ [ الملك : ٣٠ ] ورجل عدل وصوم، ونساء نوح ولما سميا بالمصدر سمي المصدر أيضاً بهما فقالوا : للعقل المعقول، وللجلد المجلود، ومنه قوله تعالى ﴿بِأَيّكُمُ المفتون﴾ [ القلم : ٦ ] وقوله :﴿إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [ سبأ : ٧ ] قال الشعبي : قصة يوسف كلها في قميصه، وذلك لأنهم لما ألقوه في الجب نزعوا قميصه ولطخوه بالدم وعرضوه على أبيه، ولما شهد الشاهد قال :﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ﴾ [ يوسف : ٢٦ ] ولما أتي بقميصه إلى يعقوب عليه السلام فألقى على وجهه ارتد بصيراً، ثم ذكر تعالى أن أخوة يوسف لما ذكروا ذلك الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم قال يعقوب عليه السلام :﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾.
قال ابن عباس : معناه : بل زينت لكم أنفسكم أمراً.
والتسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه قال الأزهري : كأن التسويل تفعيل من سؤال الإنسان، وهو أمنيته التي يطلبها فتزين لطالبها الباطل وغيره.
وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمز وقال صاحب "الكشاف" :﴿سَوَّلَتْ﴾ سهلت من السول وهو الاسترخاء.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله :﴿بَلِ﴾ رد لقولهم :﴿أَكَلَهُ الذئب﴾ كأنه قال : ليس كما تقولون :﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ﴾ في شأنه ﴿أمْراً﴾ أي زينت لكم أنفسكم أمراً غير ما تصفون، واختلفوا في السبب الذي به عرف كونهم كاذبين على وجوه : لأول : أنه عرف ذلك بسبب أنه كان يعرف الحسد الشديد في قلوبهم.