وجه النظم أن يقال : بين تعالى أن إخوته لما أساؤا إليه، ثم إنه صبر على تلك الشدائد والمحن مكنه الله تعالى في الاْرض، ثم لما بلغ أشده آتاه الله الحكم والعلم، والمقصود بيان أن جميع ما فاز به من النعم كان كالجزاء على صبره على تلك المحن، ومن الناس من قال : إن النبوة جزاء على الأعمال الحسنة، ومنهم من قال : إن من اجتهد وصبر على بلاء الله تعالى وشكر نعماء الله تعالى وجد منصب الرسالة.
واحتجوا على صحة قولهم : بأنه تعالى لما ذكر صبر يوسف على تلك المحن ذكر أنه أعطاه النبوة والرسالة.
ثم قال تعالى :﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين﴾ وهذا يدل على أن كل من أتى بالطاعات الحسنة التي أتى بها يوسف، فإن الله يعطيه تلك المناصب، وهذا بعيد لاتفاق العلماء على أن النبوة غير مكتسبة.
واعلم أن من قال : إن يوسف ما كان رسولاً ولا نبياً ألبتة، وإنما كان عبداً أطاع الله تعالى فأحسن الله إليه، وهذا القول باطل بالإجماع.
وقال الحسن : إنه كان نبياً من الوقت الذي قال الله تعالى في حقه :﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا﴾ [ يوسف : ١٥ ] وما كان رسولاً، ثم إنه صار رسولاً من هذا الوقت أعني قوله :﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [ يوسف : ٢٢ ] ومنهم من قال : إنه كان رسولاً من الوقت الذي ألقى في غيابة الجب.
المسألة الثانية :