وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ واستبقا الباب وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾.
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :﴿ واستبقا الباب ﴾ قالت العلماء : وهذا من اختصار القرآن المعجز الذي يجتمع فيه المعاني ؛ وذلك أنه لما رأى برهان ربه هرب منها فتعاديا، هي لتردّه إلى نفسها، وهو ليهرب عنها، فأدركته قبل أن يخرج.
﴿ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾ أي من خَلْفه ؛ قبضت في أعلى قميصه فتخرّق القميص عند طوقه، ونزل التخريق إلى أسفل القميص.
والاستباق طلب السّبق إلى الشيء ؛ ومنه السّباق.
والقدّ القطع، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولاً ؛ قال النابغة :
تَقُدُّ السَّلُوقِيَّ المُضَاعَفَ نَسْجُهُ...
وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نارَ الحُبَاحِبِ
والقَطُّ بالطاء يستعمل فيما كان عَرْضاً.
وقال المفضّل بن حرب : قرأت في مصحف "فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ عُطَّ مِنْ دُبُرٍ" أي شُقّ.
قال يعقوب : العَطّ الشّق في الجلد الصحيح والثوب الصحيح.
وحذفت الألف من "استبقا" في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها ؛ كما يقال : جاءني عبدَ الله في التثنية ؛ ومن العرب من يقول : جاءني عبدا الله بإثبات الألف بغير همز، يجمع بين ساكنين ؛ لأن الثاني مدغم، والأوّل حرف مدّ ولين.
ومنهم من يقول : عبدا الله بإثبات الألف والهمز، كما تقول في الوقف.
الثانية : في الآية دليل على القياس والاعتبار، والعمل بالعرف والعادة ؛ لما ذكر من قدّ القميص مقبلاً ومدبراً، وهذا أمر انفرد به المالكية في كتبهم ؛ وذلك أن القميص إذا جُبِذ من خلف تمزّق من تلك الجهة، وإذا جُبِذ من قدّام تمزق من تلك الجهة، وهذا هو الأغلب.
قوله تعالى :﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب ﴾ أي وجدا العزيز عند الباب، وعُنِيَ بالسيّد الزوج ؛ والقبط يسّمون الزوج سيّداً.


الصفحة التالية
Icon