ولما فرغ أفهامهما بالنداء لما يلقيه، قرع أسماعهما بالإنكار مع التقرير فقال :﴿أرباب﴾ أي آلهة ﴿متفرقون﴾ متباينون بالذوات والحقائق تشاهدونهم محتاجين إلى المكان مع كونهم جماداً، ولو كانوا أحياء لأمكن تمانعهم، فأدى إلى إمكان عجز كل منهم القاطع بعدم صلاحيته للإلهية ﴿خير﴾ أي أعظم في صفة المدح وأولى بالطاعة ﴿أم الله﴾ أي الملك الأعلى ﴿الواحد﴾ بالذات، فهو لا يحتاج إلى شيء أصلاً ﴿القهار﴾ لكل شيء، لا يزال قهره يتكرر أبداً، فهذا برهان لا خطأ به كما ظن، وأبرزه ـ ﷺ ـ على وجه الاستفهام استجلاباً للسامع برد العلم إليه، وسماها أرباباً لمثل ذلك بناء على زعمهم، وكذا المشاركة في أفعل التفضيل، لأن ذلك أقرب إلى الإنصاف، لكونه ألين في القول، فيكون أدعى إلى القبول.
ولما كان الجواب لكل من يعقل : الله خير، أشار إلى ذلك بجزم القول بعد ذلك الاستفهام في سلب صلاحيتهم قبل هذا الإمكان بعدم حياتهم، وعلى تقدير حياتهم بعجزهم، فقال :﴿ما تعبدون﴾ والعبادة : خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع، وبين حقارة معبوداتهم وسفولها بقوله :﴿من دونه﴾ أي الله الذي قام برهان التمانع - الذي هو البرهان الأعظم - على إلهية وعلى اختصاصه بذلك ﴿إلا أسماء﴾ وبين ما يريد وأوضحه بقوله :﴿سميتموها﴾ أي ذوات أوجدتم لها أسماء ﴿أنتم وآباؤكم﴾ لا معاني لها، لأنه لا أرواح لها فضلاً عن أن تتحقق بمعنى ما سميتموها به من الإلهية، وإن كان لها أرواح فهي منتف عنها خاصة الإلهية، وهي الكمال المطلق الذي يستلزم إحاطة العلم والقدرة.
ولما كان مقصود السورة وصف الكتاب بالإبانة للهدى، وكان نفي الإنزال كافياً في الإبانة، لأن عبادة الأصنام باطلة، ولم يكن في السياق كالأعراف مجادلة توجب مماحكة ومماطلة ومعالجة ومطاولة، قال نافياً للإنزال بأي وصف كان :﴿ما أنزل الله﴾ أي المحيط علماً وقدرة.