الجواب : لا يبعد أن يقال : إنهما لما سألاه عن ذلك المنام صدقا فيه أو كذبا فإن الله تعالى أوحى إليه أن عاقبة كل واحد منهما تكون على الوجه المخصوص، فلما نزل الوحي بذلك الغيب عند ذلك السؤال وقع في الظن أنه ذكره على سبيل التعبير، ولا يبعد أيضاً أن يقال : إنه بنى ذلك الجواب على علم التعبير، وقوله :﴿قُضِىَ الأمر الذى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ ما عنى به أن الذي ذكره واقع لا محالة بل عنى به أنه حكمه في تعبير ما سألاه عنه ذلك الذي ذكره.
﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ﴾
فيه مسائل :
المسألة الأولى :
اختلفوا في أن الموصوف بالظن هو يوسف عليه السلام أو الناجي فعلى الأول كان المعنى وقال الرجل الذي ظن يوسف عليه السلام كونه ناجياً، وعلى هذا القول وجهان : الأول : أن تحمل هذا الظن على العلم واليقين، وهذا إذا قلنا بأنه عليه السلام إنما ذكر ذلك التعبير بناء على الوحي.
قال هذا القائل وورود لفظ الظن بمعنى اليقين كثير في القرآن.
قال تعالى :﴿الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُواْ رَّبُّهُمْ﴾ [ البقرة : ٤٦ ] وقال :﴿إِنّى ظَنَنتُ أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ﴾ [ الحاقة : ٢٠ ] والثاني : أن تحمل هذا الظن على حقيقة الظن، وهذا إذا قلنا إنه عليه السلام ذكر ذلك التعبير لا بناء على الوحي، بل على الأصول المذكورة في ذلك العلم، وهي لا تفيد إلا الظن والحسبان.
والقول الثاني : أن هذا الظن صفة الناجي، فإن الرجلين السائلين ما كانا مؤمنين بنبوة يوسف ورسالته، ولكنهما كانا حسني الاعتقاد فيه، فكان قوله لا يفيد في حقهما إلا مجرد الظن.
المسألة الثانية :
قال يوسف عليه السلام لذلك الرجل الذي حكم بأنه يخرج من الحبس ويرجع إلى خدمة الملك ﴿اذكرنى عِندَ رَبّكَ﴾ أي عند الملك.