والمعنى : اذكر عنده أنه مظلوم من جهة إخوته لما أخرجوه وباعوه، ثم إنه مظلوم في هذه الواقعة التي لأجلها حبس، فهذا هو المراد من الذكر.
ثم قال تعالى :﴿فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبّهِ﴾ وفيه قولان : الأول : أنه راجع إلى يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف أن يذكر ربه، وعلى هذا القول ففيه وجهان : أحدهما : أن تمسكه بغير الله كان مستدركاً عليه، وتقريره من وجوه : الأول : أن مصلحته كانت في أن لا يرجع في تلك الواقعة إلى أحد من المخلوقين وأن لا يعرض حاجته على أحد سوى الله، وأن يقتدي بجده إبراهيم عليه السلام، فإنه حين وضع في المنجنيق ليرمى إلى النار جاءه جبريل عليه السلام وقال : هل من حاجة، فقال أما إليك فلا، فلما رجع يوسف إلى المخلوق لا جرم وصف الله ذلك بأن الشيطان أنساه ذلك التفويض، وذلك التوحيد، ودعاه إلى عرض الحاجة إلى المخلوقين، ثم لما وصفه بذلك ذكر أنه بقي لذلك السبب في السجن بضع سنين، والمعنى أنه لما عدل عن الانقطاع إلى ربه إلى هذا المخلوق عوقب بأن لبث في السجن بضع سنين، وحاصل الأمر أن رجوع يوسف إلى المخلوق صار سبباً لأمرين : أحدهما : أنه صار سبباً لاستيلاء الشيطان عليه حتى أنساه ذكر ربه، الثاني : أنه صار سبباً لبقاء المحنة عليه مدة طويلة.
الوجه الثاني : أن يوسف عليه السلام قال في إبطال عبادة الأوثان ﴿أَأرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار ﴾
[ يوسف : ٣٩ ] ثم إنه ههنا أثبت رباً غيره حيث قال :﴿اذكرنى عِندَ رَبّكَ﴾ ومعاذ الله أن يقال إنه حكم عليه بكونه رباً بمعنى كونه إلهاً، بل حكم عليه بالربوبية كما يقال : رب الدار، ورب الثوب على أن إطلاق لفظ الرب عليه بحسب الظاهر يناقض نفي الأرباب.