اعلم أنه عليه السلام ذكر تعبير تلك الرؤيا فقال :﴿تَزْرَعُونَ﴾ وهو خبر بمعنى الأمر، كقوله :﴿والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] ﴿والوالدات يُرْضِعْنَ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] وإنما يخرج الخبر بمعنى الأمر، ويخرج الأمر في صورة الخير للمبالغة في الإيجاب، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه والدليل على كونه في معنى الأمر قوله :﴿فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ﴾ وقوله :﴿دَأَبًا﴾ قال أهل اللغة : الدأب استمرار الشيء على حالة واحدة وهو دائب بفعل كذا إذا استمر في فعله، وقد دأب يدأب دأباً ودأباً أي زراعة متوالية في هذه السنين.
قال أبو علي الفارسي : الأكثرون في دأب الإسكان ولعل الفتحة لغة، فيكون كشمع وشمع، ونهر ونهر.
قال الزجاج : وانتصب دأباً على معنى تدأبون دأباً.
وقيل : إنه مصدر وضع في موضع الحال، وتقديره تزرعون دائبين فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون كل ما أردتم أكله فدوسوه ودعوا الباقي في سنبله حتى لا يفسد ولا يقع السوس فيه، لأن إبقاء الحبة في سنبله يوجب بقاءها على الصلاح ﴿ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ أي سبع سنين مجدبات، والشداد الصعاب التي تشتد على الناس، وقوله :﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ هذا مجاز، فإن السنة لا تأكل فيجعل أكل أهل تلك السنين مسنداً إلى السنين.


الصفحة التالية
Icon