قوله تعالى ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم نصحه وعلا قدحه بإلقائه إليهما ما كان أهمّ لهما لو علما لمآله إلى الحياة الأبدية والرفعة السرمدية.
أقبل على حاجتهما تمكيناً لما ذكره وتأكيداً للذي قرره، فناداهما بالأداة الدالة على أن ما بعدها كلام له موقع عظيم لتجتمع أنفسهما لسماع ما يلقى إليهما من التعبير، فقال :﴿ياصاحبي السجن﴾ أي الذي تزول فيه الحظوظ ويحصل الانكسار للنفس والرقة في القلب فتتخلص فيه المودة.
ولما كان في الجواب ما يسوء الخباز، أبهم ليجوّز كل واحد أنه الفائز، فإن ألجأه إلى التعيين كان ذلك عذراً له في الخروج عن الأليق فقال :﴿أما أحدكما﴾ وهو الساقي فيلخص ويقرب ﴿فيسقي ربه﴾ أي سيده الذي في خدمته ﴿خمراً﴾ كما كان ﴿وأما الآخر﴾ وهو الخباز.
ولما كان الذي له قوة أن يصلب إنما هو الملك، بنى للمفعول قوله :﴿فيصلب﴾ ويعطب ﴿فتأكل﴾ أي فيتسبب عن صلبه أنه تأكل ﴿الطير من رأسه﴾ والآية من الاحتباك : ذكر ملزوم السلامة والقرب أولاً دليلاً على العطب ثانياً، وملزوم العطب ثانياً دليلاً على السلامة أولاً، وسيأتي شرح تعبيره من التوراة، فكأنه قيل : انظر جيداً ما الذي تقول! وروى أنهما قالا : ما رأينا شيئاً، إنما كنا نلعب، فقال مشيراً بصيغة البناء للمفعول إلى عظمة الله وسهولة الأمور عليه :﴿قضي الأمر﴾ وبينه بقوله :﴿الذي فيه﴾ أي لا في غيره ﴿تستفتيان﴾ أي تطلبان الإفتاء فيه عملاً بالفتوة، فسألتما عن تأويله، وهو تعبير رؤياكما كذبتما أو صدقتما، لم أقله عن جهل ولا غلط.