وَهَذَا تَعْلِيلٌ آخَرُ لِإِقْرَارِهَا عَلَى تَبْرِئَةِ نَفْسِهَا مِنْ خِيَانَتِهِ بِالْغَيْبِ، اعْتَرَفَتْ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ بِأَنَّهَا لَا تُبَرِّئُ نَفْسَهَا مِنَ الْكَيْدِ لَهُ بِالسِّجْنِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ هَوَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَذْلِيلُهُ لَهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى طَاعَتِهَا، وَفِيهِمَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا تَقُولُ : ذَلِكَ الَّذِي حَصَلَ أَقْرَرْتُ بِهِ لِيَعْلَمَ زَوْجِي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْفِعْلِ فِيمَا كَانَ مِنْ خَلْوَاتِي بِيُوسُفَ فِي غَيْبَتِهِ عَنَّا، وَأَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ أَنَّنِي رَاوَدْتُ هَذَا الشَّابَّ الْفَاتِنَ الَّذِي وَضَعَهُ فِي بَيْتِي، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنِي، فَاسْتَعْصَمَ وَامْتَنَعَ، فَبَقِيَ عِرْضُهُ - أَيِ الزَّوْجِ - مَصُونًا، وَشَرَفُهُ مَحْفُوظًا، وَلَئِنْ بَرَّأْتُ يُوسُفَ مِنَ الْإِثْمِ فَمَا أُبَرِّئُ مِنْهُ نَفْسِي فَـ (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) ٥٣ وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ رَحْمَتِهِ - تَعَالَى - بِبَعْضِ الْأَنْفُسِ صَرْفَهَا عَنِ الْأَمْرِ السُّوءِ وَهُوَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَمِنْهَا حِفْظُهُ إِيَّاهَا مِنْ طَاعَةِ الْأَمْرِ بِوَازِعٍ مِنْهَا، وَهِيَ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَمِنْهَا عَدَمُ تَيَسُّرِ عَمَلِ السُّوءِ، لَهَا بِامْتِنَاعِ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِّ (أَنَّ مِنَ الْعِصْمَةِ أَلَّا تَجِدَ).
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ نَظْمِ الْآيَتَيْنِ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَلَكِنْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ