وقال الآلوسى :
﴿ وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى ﴾
أي لا أنزهها عن السوء قال ذلك عليه السلام : هضما لنفسه البرية عن كل سوء وتواضعاً لله تعالى وتحاشياً عن التزكية والإعجاب بحالها على أسلوب قوله ﷺ :"أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أو تحديثاً بنعمة الله تعالى وإبرازاً لسره المكنون في شأن أفعال العباد أي لا أنزهها من حيث هي هي ولا أسند هذه الفضيلة إليها بمقتضى طبعها من غير توفيق من الله سبحانه بل إنما ذلك بتوفيقه جل شأنه ورحمته، وقيل : إنه أشار بذلك إلى أن عدم التعرض لم يكن لعدم الميل الطبيعي بل لخوف الله تعالى :﴿ أَنَّ النفس ﴾ البشرية التي من جملتها نفسي في حد ذاتها ﴿ لامَّارَةٌ ﴾ لكثيرة الأمر ﴿ بالسوء ﴾ أي بجنسه، والمراد أنها كثيرة الميل إلى الشهوات مستعملة في تحصيلها القوى والآلات.
وفي كثير من التفاسير أنه عليه السلام حين قال :﴿ لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب ﴾ [ يوسف : ٥٢ ] قال له جبريل عليه السلام : ولا حين هممت؟ فقال :﴿ وَمَا أُبَرّىء نَفْسِى ﴾ الخ، وقد أخرجه الحاكم في تاريخه.
وابن مردويه بلفظ قريب من هذا عن أنس مرفوعاً، وروي ذلك عن ابن عباس.
وحكيم بن جابر.
والحسن.
وغيرهم، وهو إن صح يحمل الهم فيه على الميل الصادر عن طريق الشهوة البشرية لا عن طريق العزم والقصد، وقيل : لا مانع من أن يحمل على الثاني ويقال : إنه صغيرة وهي تجوز على الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة، ويلتزم أنه عليه السلام لم يكن إذا ذاك نبياً.


الصفحة التالية
Icon