الثانية : قيل معنى :﴿ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ أي : لا يهديهم بسبب كيدهم، أوقعت الهداية المنفية على الكيد، وهي واقعة عليهم تجوزاً للمبالغة ؛ لأنه إذا لم يهد السبب، علم منه عدم هداية مسببه بالطريق الأولى.
وقيل : المعنى لا يهديهم في كيدهم، كقوله تعالى :﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [ التوبة : من الآية ٣٠ ]، أي : في قولهم.
وقيل : هداية الكيد مجاز عن تنفيذه وتسديده.
الثالثة : قال في " الإكليل " :﴿ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي ﴾ أصل في التواضع، وكسر النفس وهضمها.
الرابعة : قال الزمخشري : لقد لفقت المبطلة روايات مصنوعة - ثم ساقها - وقال : وذلك لتهالكهم على بهت الله ورسله.
قال الناصر : ولقد صدق في التوريك على نقلة هذه الزيادات بالبهت، وذلك شأن المبطلة من كل طائفة. ويحق الله الحق بكلماته ويبطل الباطل.
الخامسة : رأيت لابن القيم في " الجواب الكافي " في عجيب صبر يوسف وعفته، مع الدواعي من وجوه. قال عليه الرحمة، بعد أن مهد مقدمة في مفاسد عشق الصور العاجلة والآجلة : إنها أضعاف ما يذكره ذاكر، فإنه يفسد القلب بالذات، وإذا فسد فسدت الإرادات والأقوال والأعمال، وفسد ثغر التوحيد. والله تعالى إنما حكى هذا المرض عن طائفتين من الناس : وهم اللوطية والنساء، فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف، وما راودته، وكادته به، وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف لصبره وعفته وتقواه، ومع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله عليه. فإن موافقة الفعل، بحسب قوة الداعي، وزوال المانع، وكان الداعي هاهنا في غاية القوة وذلك لوجوه :
أحدها : ما ركب الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة كما يميل العطشان إلى الماء، والجائع إلى الطعام، حتى عن كثيراً من الناس يصبر عن الطعام والشراب، ولا يصبر عن النساء، وهذا لا يذم إذا صادف حلالاً، بل يحمد.


الصفحة التالية
Icon