وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ ﴾
أي جاؤوا إلى مصر لما أصابهم القحط ليمتاروا ؛ وهذا من اختصار القرآن المعجز.
قال ابن عباس وغيره : لما أصاب الناس القحط والشدّة، ونزل ذلك بأرض كنعان بعث يعقوب عليه السلام ولده لِلْميرة، وذاع أمر يوسف عليه السلام في الآفاق، للينه وقربه ورحمته ورأفته وعدله وسيرته ؛ وكان يوسف عليه السلام حين نزلت الشدّة بالناس يجلس ( للناس ) عند البيع بنفسه، فيعطيهم من الطعام على عدد رؤوسهم، لكل رأس وَسْقاً.
﴿ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ ﴾ يوسف ﴿ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ لأنهم خلّفوه صبياً، ولم يتوهموا أنه بعد العبودية يبلغ إلى تلك الحال من المملكة، مع طول المدّة ؛ وهي أربعون سنة.
وقيل : أنكروه لأنهم اعتقدوا أنه ملك كافر : وقيل : رأوه لابس حرير، وفي عنقه طوق ذهب، وعلى رأسه تاج، وقد تزيّا بزيّ فرعون مصر ؛ ويوسف رآهم على ما كان عهدهم في الملبس والحلية.
ويحتمل أنهم رأوه وراء ستر فلم يعرفوه.
وقيل : أنكروه لأمر خارق امتحانا امتحن الله به يعقوب.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ﴾
يقال جَهَّزتُ القوم تَجهيزاً أي تكلّفت لهم بجَهازهم للسفر ؛ وجهاز العروس ما يحتاج إليه عند الإهداء إلى الزّوج ؛ وجوّز بعض الكوفيين الجهاز بكسر الجيم ؛ والجهاز في هذه الآية الطعام الذي امتاروه من عنده.
قال السّديّ : وكان مع إخوة يوسف أحد عشر بعيراً، وهم عشرة، فقالوا ليوسف : إنّ لنا أخاً تخلّف عنا، وبعيره معنا ؛ فسألهم لِمَ تخلف؟ فقالوا : لحبّ أبيه إياه، وذكروا له أنه كان له أخ أكبر منه فخرج إلى البريّة فهلَكَ ؛ فقال لهم : أردت أن أرى أخاكم هذا الذي ذكرتم، لأعلم وجه محبة أبيكم إيّاه، وأعلم صدقكم ؛ ويروى أنهم تركوا عنده شمعون رهينة، حتى يأتوا بأخيه بنيامين.


الصفحة التالية
Icon