وغيره عن ابن عباس أنهم لما دخلوا عليه عليه السلام فعرفهم وهم له منكرون جاء بصواع الملك الذي كان يشرب فيه فوضعه على يده فجعل ينقره ويطن وينقره ويطن فقال : إن هذه الجام ليخبرني خبراً هل كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وكان أبوه يحبه دونكم وإنكم انطلقتم به فالقيتموه في الجب وأخبرتم أباكم أن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب؟ قال : فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويعجبون أن الجام يخبر بذلك، وفيه مخالفة للخبر السابق، وفي الباب أخبار أخرْ وكلها مضطربة فليقصر على ما حكاه الله تعالى مما قالوا ليوسف عليه السلام وقال :﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل ﴾ أتمه لكم، وإيثار صيغة الاستقبال مع كون هذا الكلام بعد التجهيز للدلالة على أن ذلك عادة مستمرة ﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين ﴾ جملة حالية أي ألا ترون أني أوف الكيل لكم إيفاء مستمراً والحال أني في غاية الإحسان في إنزالكم وضيافتكم وكان الأمر كذلك، ويفهم من كلام بعضهم التعميم في الجملتين بحيث يندرج حينئذ في ذلك المخاطبون، وتخصيص الرؤية بالإيفاء لوقوع الخطاب في أثنائه، وأما الإحسان في الإنزال فقد كان مستمراً فبما سبق ولحق ولذلك أخبر عنه بالجملة الإسمية، ولم يقل ذلك عليه السلام بطريق الامتنان بل لحثهم على تحقيق ما أمرهم به، والاقتصار في الكيل على ذكر الإيفاء لأن معاملته عليه السلام معهم في ذلك كمعاملته مع غيرهم في مراعاة مواجب العدل، وأما الضيافة فليس للناس فيها حق فخصهم في ذلك بما يشاء قاله شيخ الإسلام.
﴿ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى ﴾


الصفحة التالية
Icon