فصل


قال الفخر :
﴿ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ﴾
اعلم أن المتاع ما يصلح لأن يستمتع به وهو عام في كل شيء، ويجوز أن يراد به ههنا الطعام الذي حملوه، ويجوز أن يراد به أوعية الطعام.
ثم قال :﴿وَجَدُواْ بضاعتهم رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾ واختلف القراء في ﴿رُدَّتْ﴾ فالأكثرون بضم الراء، وقرأ علقمة بكسر الراء.
قال صاحب "الكشاف" : كسرة الدال المدغمة نقلت إلى الراء كما في قيل وبيع.
وحكى قطرب أنهم قالوا في قولنا : ضرب زيد على نقل كسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد.
وأما قوله :﴿مَا نَبْغِى﴾ ففي كلمة ﴿مَا﴾ قولان :
القول الأول : أنها للنفي، وعلى هذا التقدير ففيه وجوه : الأول : أنهم كانوا قد وصفوا يوسف بالكرم واللطف وقالوا : إنا قدمنا على رجل في غاية الكرم أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلاً من آل يعقوب لمافعل ذلك، فقولهم :﴿مَا نَبْغِى﴾ أي بهذا الوصف الذي ذكرناه كذباً ولا ذكر شيء لم يكن.
الثاني : أنه بلغ في الإكرام إلى غاية ما وراءها شيء آخر، فإنه بعد أن بالغ في إكرامنا أمر ببضاعتنا فردت إلينا.
الثالث : المعنى أنه رد بضاعتنا إلينا، فنحن لا نبغي منك عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى، فإن هذه التي معنا كافية لنا.
والقول الثاني : أن كلمة "ما" ههنا للاستفهام، والمعنى : لما رأوا أنه رد إليهم بضاعتهم قالوا : ما نبغي بعد هذا، أي أعطانا الطعام، ثم رد علينا ثمن الطعام على أحسن الوجوه، فأي شيء نبغي وراء ذلك ؟
واعلم أنا إذا حملنا "ما" على الاستفهام صار التقدير أي شيء نبغي فوق هذا الإكرام إن الرجل رد دراهمنا إلينا فإذا ذهبنا إليه نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير بسبب حضور أخينا.


الصفحة التالية
Icon