وقيل : من أعم العلل على تأويل الكلام بالنفي الذي ينساق إليه أي لتأتنني ولا تمتنعن من الإتيان به إلا للإحاطة بكم كقولهم : أقسمت عليك إلا فعلت أي ما أطلب إلا فعلك، والظاهر اعتبار التأويل على الوجه الأول أيضاً فإن الاستثناء فيه مفرغ كما علمت، وهو لا يكون في الإثبات إلا إذا صح وظهر إرادة العموم فيه نحو قرأت إلا يوم الجمعة لإمكان القراءة في كل يوم غير الجمعة وهنا غير صحيح لأن لا يمكن لإخوة يوسف عليه السلام أن يأتوا بأخيهم في كل وقت وعلى كل حال سوى وقت الإحاطة بهم لظهور أنهم لا يأتون به له وهو في الطريق أو في مصر اللهم إلا أن يقال : إنه من ذلك القبيل وأن العموم والاستغراق فيه عرفي أي في كل حال يتصور الإتيان فيها، وتعقب المولى أبو السعود تجويز الأول بلا تأويل بقوله : وأنت تدري أنه حيث لم يكن الإتيان من الأفعال الممتدة الشاملة للأحوال على سبيل المعية كما في قولك : لألزمنك إلا أن تقضيني حقي ولم يكن مراده عليه السلام مقارنته على سبيل البدل لما عدا الحال المستثناة كما إذا قلت : صل إلا أن تكون محدثاً بل مجرد تحققه ووقوعه من غير إخلال به كما في قولك : لأحجن العام إلا أن أحصر فإن مرادك إنما هو الإخبار بعدم منع ما سوى حال الإحصار عن الحج لا الإخبار بمقارنته لتلك الأحوال على سبيل البدل كما هو مرادك في مثال الصلاة كان اعتبار الأحوال معه من حيث عدم منعها منه، فآل المعنى إلى التويل المذكور اه.
وبحث فيه واحد من الفضلاء بثلاثة أوجه.
الأول : أنه لو كان المراد من قوله :﴿ لَتَأْتُنَّنِى بِهِ ﴾ الإخبار بمجرد تحقق الإتيان ووقوعه من غير إخلال به لم يحتج إلى التأويل المذكور أعني التأويل بالنفي كما لا يخفى على المتأمل فكلامه يفيد خلاف مراده.


الصفحة التالية
Icon