يريد أن كل ما يدل على المراد بالخطاب فهو كاف وإنما خص النحاة النداء لأنه أظهر قرينة واختلاف الأمرين هنا بعلامة الجمع والإفراد دال على المراد، وأيًّا ما كان فقد روعي في الجمل المعطوفة ما يقابل ما في الجمل المعطوف عليها فقوبل الإنذار الذي في قوله :﴿فاتقوا النار﴾ [ البقرة : ٢٤ ] بالتبشير وقوبل ﴿الناس﴾ [ البقرة : ٢١ ] المراد به المشركون بالذين آمنوا وقوبل ( النار ) بالجنة فحصل ثلاثة طباقات.
والتبشير الإخبار بالأمر المحبوب فهو أخص من الخبر.
وقيد بعض العلماء معنى التبشير بأن يكون المخبر ( بالفتح ) غير عالم بذلك الخبر والحق أنه يكفي عدم تحقق المخبر ( بالكسر ) عِلْم المخبر ( بالفتح ) فإن المخبر ( بالكسر ) لا يلزمه البحث عن علم المخاطب فإذا تحقق المخبر علم المخاطب لم يصح الإخبار إلا إذا استعمل الخبر في لازم الفائدة أو في توبيخ ونحوه.
والصالحات جمع صالحة وهي الفعلة الحسنة فأصلها صفة جرت مجرى الأسماء لأنهم يقولون صالحة وحسنة ولا يقدرون موصوفاً محذوفاً قال الحطيئة :
كيفَ الهجاءُ وما تنفَكُّ صَالحةٌ...
من آل لأْممٍ بظهر الغيببِ تأتينا
وكأنَّ ذلك هو وجه تأنيثها للنقل من الوصفية للاسمية.
والتعريف هنا للاستغراق وهو استغراق عرفي يحدد مقداره بالتكليف والاستطاعة والأدلة الشرعية مثل كون اجتناب الكبائر يغفر الصغائر فيجعلها كالعدم.
فإن قلت : إذا لم يقل وعملوا الصالحة بالإفراد فقد قالوا إن استغراق المفرد أشْمَلُ من استغراق المجموع، قلت تلك عبارة سرت إليهم من كلام صاحب " الكشاف" في هذا الموضع من تفسيره إذ قال :" إذا دخلت لام الجنس على المفرد كان صالحاً لأن يراد به الجنس إلى أن يحاط به وأن يراد به بعضه إلى الواحد منه وإذا دخلت على المجموع صلح أن يراد به جميع الجنس وأن يراد به بعضه لا إلى الواحد منه ا ه.
فاعتمدها صاحب " المفتاح" وتناقلها العلماء ولم يفصِّلوا بيانها.


الصفحة التالية
Icon