وقوله :﴿من تحتها﴾ يظهر أنه قيد كاشف قصد منه زيادة إحضار حالة جري الأنهار إذ الأنهار لا تكون في بعض الأحوال تجري من فوق فهذا الوصف جيء به لتصوير الحالة للسامع لقصد الترغيب وهذا من مقاصد البلغاء إذ ليس البليغ يقتصر على مجرد الإفهام، وقريب من هذا قول النابغة يصف فرس الصائد وكلابه :
من حس أطلس تسعى تحته شرع...
كأن أحناكها السفلى مآشير
والتحت اسم لجهة المكان الأسفل وهو ضد الأعلى، ولكل مكان علوٌّ وسفلٌ ولا يقتضي ذلك ارتفاعَ ما أضيف إليه التحت على التحت بل غاية مدلوله أنه بجهة سفله قال تعالى حكاية عن فرعون :﴿وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ [ الزحرف : ٥١ ] فلا حاجة إلى تأويل الجنة هنا بالأشجار لتصحيح التحت ولا إلى غيره من التكلفات.
﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا الذى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ متشابها وَلَهُمْ فِيهَآ أزواج مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خالدون﴾.
جملة :﴿كلما رزقوا﴾ يجوز أن تكون صفة ثانية لجنات، ويجوز أن تكون خبراً عن مبتدأ محذوف وهو ضمير ﴿الذين آمنوا﴾ فتكون جملة ابتدائية الغرض منها بيان شأن آخر من شؤون الذين آمنوا، ولكمال الاتصال بينها وبين جملة ﴿أن لهم جنات﴾ فصلت عنها كما تفصل الأخبار المتعددة.
و( كلما ) ظرف زمان لأن كلا أضيفت إلى ما الظرفية المصدرية فصارت لاستغراق الأزمان المقيدة بصلة ما المصدرية وقد أشربت معنى الشرط لذلك فإن الشرط ليس إلا تعليقاً على الأزمان المقيدة بمدلول فعل الشرط ولذلك خرجت كثير من كلمات العموم إلى معنى الشرط عند اقترانها بما الظرفية نحو كيفما وحيثما وأنما وأينما ومتى وما مهما.
والناصب لكلما الجواب لأن الشرطية طارئة عليها طرياناً غير مطرد بخلاف مهما وأخواتها.


الصفحة التالية
Icon