وإذ كانت كلما نصاً في عموم الأزمان تعين أن قوله ﴿من قبل﴾ المبني على الضم هو على تقدير مضاف ظاهر التقدير أي من قبل هذه المرة فيقتضي أن ذلك ديدن صفات ثمراتهم أن تأتيهم في صور ما قدم إليهم في المرة السابقة.
وهذا إما أن يكون حكاية لصفة ثمار الجنة وليس فيه قصد امتنان خاص فيكون المعنى أن ثمار الجنة متحدة الصورة مختلفة الطعوم.
ووجه ذلك والله أعلم أن اختلاف الأشكال في الدنيا نشأ من اختلاف الأمزجة والتراكيب فأما موجودات الآخرة فإنها عناصر الأشياء فلا يعتورها الشكل وإنما يجيء في شكل واحد وهو الشكل العنصري.
ويحتمل أن في ذلك تعجيباً لهم والشيء العجيب لذيذ الوقع عند النفوس ولذلك يرغب الناس في مشاهدة العجائب والنوادر.
وهذا الاحتمال هو الأظهر من السياق.
ويحتمل أن كلما لعموم غير الزمن الأول فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة، ومعنى ( من قبل ) في المرة الأولى من دخول الجنة.
ومن المفسرين من حمل قوله ﴿من قبل﴾ على تقدير من قبل دخول الجنة أي هذا الذي رزقناه في الدنيا، ووجهه في " الكشاف" :" بأن الإنسان بالمألوف آنس" وهو بعيد لاقتضائه أن يكون عموم كلما مراداً به خصوص الإتيان به في المرة الأولى في الجنة ولأنه يقتضي اختلاف الطعم واختلاف الأشكال وهذا أضعف في التعجب، ولأن من أهل الجنة من لا يعرف جميع أصناف الثمار فيقتضي تحديد الأصناف بالنسبة إليه.
وقوله :﴿وأتوا به متشابهاً﴾ ظاهر في أن التشابه بين المأتي به لا بينه وبين ثمار الدنيا.
ثم مَنّ الله عليهم بنعمة التأنس بالأزواج ونزه النساء عن عوارض نساء الدنيا مما تشمئز منه النفس لولا النسيان فجمع لهم سبحانه اللذات على نحو ما ألفوه فكانت نعمة على نعمة.