فَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَالصَّلَاحُ وَالْفَسَادُ وَالْحَقُّ وَالْبَاطِلُ وَالْفَضِيلَةُ وَالرَّذِيلَةُ كُلُّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى عِنْدَ الْأَشْرَارِ، وَلِذَلِكَ يَدَّعُونَ الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ وَيُنْكِرُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِذِكْرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ لَيْسَ مُبْهَمًا عِنْدَهُمْ، وَلَا خِطَابًا بِغَيْرِ مَفْهُومٍ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ مُعْتَلُّ الْفِطْرَةِ إِلَى التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ، وَذِكْرِ الْأَمَارَاتِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّالِحِينَ وَالْفَاسِقِينَ، وَالْمُحِقِّينَ وَالْمُبْطِلِينَ، وَلِهَذَا نَزَلَتْ آيَاتُ الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِهَا آنِفًا، وَبِهَا يَنْقَطِعُ تَلْبِيسُ الْأَغْبِيَاءِ، وَاعْتِذَارُ الْجُهَلَاءِ، وَحَقَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْبِشَارَةَ هُوَ مَنْ جَمَعَ
بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي تُرْشِدُ إِلَيْهِ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، وَيَهْدِي إِلَى تَحْدِيدِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَسُنَّةُ الرَّسُولِ الْمُتَّبَعَةُ.
بَشِّرْهُمْ (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) وَرَدَ لَفْظُ الْجَنَّةِ وَالْجَنَّاتِ كَثِيرًا فِي مُقَابَلَةِ النَّارِ، وَالْجَنَّةُ فِي اللُّغَةِ : الْبُسْتَانُ، وَالْجَنَّاتُ جَمْعُهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمَا مَفْهُومَهُمَا اللُّغَوِيَّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هُمَا دَارَا الْخُلُودِ فِي النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ، فَالْجَنَّةُ دَارُ الْأَبْرَارِ وَالْمُتَّقِينَ، وَالنَّارُ دَارُ الْفُجَّارِ وَالْفَاسِقِينَ، فَنُؤْمِنُ بِهِمَا بِالْغَيْبِ وَلَا نَبْحَثُ فِي حَقِيقَةِ أَمْرِهِمَا، وَلَا نَزِيدُ