" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قولُهُ :﴿وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ﴾ هذه الجملةُ معْطُوفة على ما قَبْلها، عَطَف جُمْلَةَ ثوابِ المُؤْمنين، على جملة ثَوَاب الكافرين، وجاز ذلك ؛ لأنَّ مذْهب سِيبَويهِ - وهو الصَّحيحُ - : أنَّه لا يشترطُ في عَطْفِ الجُمَلِ التَّوافُقُ معْنًى، بل تُعْطَف الطلبيَّة على الخَبَرية ؛ وبالعكس ؛ [ بدليل ] قوله :[ الطويل ]
تُنَاغِي غَزَالاً عِنْدَ بَابِ ابْنِ عَامِرٍ...
وَكَحَّلْ أَمَاقِيكَ الحِسَانَ بِإِثْمِدِ
وقولِ امرِئ القَيْسِ :[ الطويل ]
وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ...
وَهَلْ عِنْدَ رَسْمِ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
وقال ابنُ الخَطِيبِ : ليس الَّذي اعتمد بالعَطْف هو الأَمْر، حتى يطلب له مشاكل من أمر ونهي يعطف عليه، إنما المعتمد بالعطف هو جملة ثواب المؤمنين ؛ فهي معطوفة على جملة وَصْف عقاب الكافرين كما تقول : زيد يعاقب بالقيد والضرب وَبَشِّرْ عمرو بالعفو والإطلاق.
وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن يكون عطفاً على " فاتَّقوا " ليعطف أمراً على أمر، وهذا قد رده أبو حيان بأن " فاتقوا " جواب الشرط، فالمعطوف يكون جواباً ؛ لأن حكمَه حكمُه، ولكن لا يصح ؛ لأن تبشيره للمؤمنين لا يترتب على قوله :" فإن لم تفعلوا ".
وقرئ :" وبُشَِّرَ " [ ماضياً ] مبنيًّا للمفعول.
وقال الزمخشري :" وهو عَطْف على أعدت ".
قيل : وهذا لا يتأتى على إعراب " أعدت " حالاً ؛ لأنها لا تصلح للحالية.
وقيل : عطفها على " أعدت " فاسد ؛ لأن " أعدت " صلة " التي "، والمعطوف على الصلة صلة، ولا يصلح أن يقال :" الباء " التي بشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنَّ لهم جنَّاتٍ، إلاَّ أن يعتقد أن قوله :" أُعِدَّتْ " مستأنفٌ، والظاهِرُ أنَّهُ من تمام الصلة، وأنَّهُ حالٌ من الضمير في " وقودها "، والمأمور بالبشارة يجوز أن يكون الرسولُ عليه السَّلامُ، وأن يكون كُلُّ سَامِعِ، كما قال عليه السلام :" بَشِّر المَشِّائِينَ إلَى المَسَاجِدِ في الظُّلَمِ بِالنُّورِ التَّامِّ يوم القِيَامِةِ "، لم يأمر بذلك أحداً بعينه، وإنَّما كل أحدٍ مأمور به.
و" البِشارةُ " : أوّل خبرٍ من خيرٍ أو شَرٍّ ؛ قالوا : لأنَّ أثرها يظهرُ في البَشَرَةِ، وهي ظاهرُ جِلْدِ الإنْسَانِ ؛ وأنْشَدُوا :[ الوافر ]
يُبَشِّرُنِي الغُرَابُ بِبَيْنِ أَهْلِي...
فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتُكَ مِنْ بَشِيرِ
وقال آخر :[ الطويل ]
وَبَشَّرْتَنِي يَا سَعْدُ أنَّ أَحِبَّتِي...
جَفَوْني وأّنَّ الوُدَّ مَوْعِدُهُ الحَشْرُ


الصفحة التالية
Icon