وهذا رأى سيبويه، إلاّ أنَّ الأكثر استعمالُهَا في الخير، وإن استُعْمِلَتْ في الشَّرِّ فَبِقَيْدٍ ؛ كقوله تعالى :﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ﴾ [ آل عمران : ٢١ ]، وإن أُطْلِقَتْ، كان للخَيْرِ.
وقال البغويُّ :" البِشَارَةُ كل خبر صدقٍ ".
وقال ابن الخطيب : إنَّها الخبرُ الذي يُظْهِرُ السرور، ولهذا قال الفقهاءُ : إذا قال لعبيده : أيُّكم يُبَشِّرُنِي بقدوم فلان فهو حرٌّ، فَبَشَّروه فُرَادَى، عَتَق أولهم ؛ لأنَّهُ هو الذي أفاد خبره السرور.
ولو قال مكان بَشَّرَني " : اَخْبَرَنِي عَتَقُوا جميعاً ؟ لأنَّهم جميعاً أخبروه، ظاهِرُ كلام الزمخشري أنَّها تختص بالخير ؛ لأنَّهُ تَأَوَّلَ " فبشِّرهم بعذابٍ " على العكس في الكلام الذي يقصد به الزيادة في غيظ المُسْتَهْزَأ بَهِ وتَأَلُّمِهِ، كما يقول الرَّجُلُ لِعَدوِّه : أَبْشِرْ بقتل ذريتك ونَهْبِ مالك.
والفِعْلُ منها بَشَرَ وبَشََّرَ مخففاً ومثقلاً، فالتثقيل للتكثير بالنسبة إلى البشيرة.
وقد قُرِئ المضارع مخففاً ومشدَّداً.
وأمَّا الماضي فلم يقرأ به إلا مثقلاً نحو ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ﴾ [ هود : ٧١ ] وفيه لغةٌ أخرى : أَبْشَرَ مِثل أَكْرَمَ.
وأنكر أبو حَاتِمٍ التخفيف، وليس بصواب لمجيء مضارعه.
وبمعنى البشارة : البُشُور والتَّبْشِير والإِبْشَار، وإن اختلفت أفعالُها، والبِشَارةُ أيضاً : الجَمَالُ، والبشيرُ : الجميلُ، وتباشيرُ الفَجْرِ أَوائِلُهُ.
وكون صلة " الَّذين " فعلاً ماضياً دون كونه اسم فاعل، دليلٌ على أنه يستحقُّ التبشير بفضل الله ممن وقع منه الإيمانُ، وتحقَّقَ به وبالأعمال الصالحة.
و" الصَّالِحَاتُ " : جمع " صالحة "، وهي من الصفات التي جَرَت مجرى الأسماءِ في إيلائِها العوامل ؛ قال :[ البسيط ]
كَيْفَ الهِجَاءُ وَمَا تَنْفَكُّ صَالِحَةٌ...
مِنْ آلِ لأْمٍ بِظَهْرِ الغَيْبِ تَأْتِيني