ورُوِيَ أنَّ أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنَّما تجري على سطح الجنَّةِ منبسطة بالقدرة، والوقفُ على " الأنهار " حَسَنٌ وليس بتامٍّ و" من تَحْتِهَا " متعلقٌ بـ " تجري "، و" تحت " مكانٌ لا يتصرَّفُ، وهو نقيض " فوق "، إذا أُضِيفَا أُعْرِبَا، وإذا قَطِعَا بنيا على الضَّمِّ.
و" مِنْ " لابتداء الغاية.
وقيل : زائدةٌ.
وقيل : بمعنى " في "، وهما ضعيفان.
واعلم أنَّهُ إذا قيل بأنَّ الجَنَّة هي الأرضُ ذاتُ الشَِّجرِ، فلا بُدَّ م حَذْفِ مضاف، أي : من تحت عَذْقِها أو أَشْجَارها.
وإن قيل : بأنَّها الشَّجَرُ نفسه، فلا حَاجَةَ إلى ذلك.
وإذا قيل : بأنَّ الأنهار اسمٌ للماء الجاري فَنِسْبَةُ الجَرْي إليه حقيقة، [ وإن قيل بأنَّهُ اسمٌ للأُخْدُودِ الذي يَجْرِي فيه، فنسبةُ الجَري إليه ] مجازٌ، كقول مهلهل :[ الكامل ]
نُبِّئْتُ أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتِ...
وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ المَجْلِسُ
قال أبو حيِّان : وقد ناقض ابن عطية كلامه هنا، فإنَّه قال :" والنهارُ : المياهُ في مجاريها المتطاولةِ الواسعةِ " ثمَّ قال : نُسِبَ الجريُ إلى النَّهْرِ، وإنَّمَا يجري الماءُ وحدّث توسُّعاً وتجوُّزاً، كما قال :﴿واسأل القرية﴾ [ يوسف : ٨٢ ] وكما قال :[ الكامل ]
نُبِّئْتُ أنَّ النَّارَ..............
والألف واللاَّمُ في " النهار " للجنس.
وقيل : للعَهْدِ لذكرها في سورةِ القتالِ.
وقال الزمخشري : يجوز أن تكون عوضاً من الضَّمير كقوله :﴿واشتعل الرأس شَيْباً﴾ [ مريم : ٤ ] أي :" أَنْهَارُها " يعني أنَّ الأصل : واشتعل رأسي، فَعَوَّضَ " أل " عن ياء المتكلم، وهذا ليس مذهب البَصَريين، بل قال به بعضُ الكوفيِّين ؛ وهو مردود بأنَّهُ لو كانت " أَلْ " عوضاً من الضمير، لَمَا جُمِعَ بينهما، وقد جُمِعَ بينهما ؛ قال النَّابغةُ :[ الطويل ]
رَحِيبٌ قِطَابٌ الجَيْبِ مِنْهَا رَقِيقَةٌ...


الصفحة التالية
Icon