بجَسِّ النَّدَامَى بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ
فقال : الجيب منها، وأمَّا ما ورد، وظاهره ذلك، فيأتي تأويله في موضعه.
قوله تعالى :﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ﴾
تقدَّم القولُ في " كُلَّمَا " وهذا لا يخلو إمَّا أن يكون صفة ثانيةِ لـ " جنَّاتٍ تجري "، أو خبر مبتدأ محذوف، أو جملة مستأنفة ؛ لأنَّه لَمَّا قيل :" أنَّ لهم جنَّاتٍ " لم يَخْلُ قَلْبُ السَّامِعِ أنْ يقع فيه أنَّ ثمار تلك الجنَّات تُشبهُ ثِمَارَ الدُّنْيَا أم لا ؟
والعامِلُ في " كُلَّما " هاهنا " قالوا ".
و" مِنْهَا " متعلِّقٌ بـ " رُزِقُوا "، و" مِن " لابتداء الغاية، وكذلك " من ثَمَرَةٍ "، لأنَّها بدلٌ من قوله :" منها " بدلُ اشتمالٍ بإعادة العاملِ.
وإنَّما قلنا : إنه بدل اشتمال ؛ لأنَّهُ لا يتعلّق حرفان بمعنى واحدٍ بعاملٍ واحد، إلاَّ على سبيل البدلية، أو العطف.
وأجاز الزَّمخشري أنَّ " مِنْ " للبيان كقولك :" رأيتُ منك أسداً " ؛ وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ من شرط ذلك أن يَحِلَّ مَحَلَّها موصولٌ، وأن يكون ما قبلها مُحَلَّى بـ " أل " الجنسية، وأيضاً فليس قبلها شيء يَتَبَيَّنُ بها، وكونُها بياناً لما بعدها بعيدٌ جِداً، وهو غير المصطلح.
" رِزْقاً " مفعولٌ ثانٍ لـ " رُزِقُوا "، وهو بمعنى " مَرْزُوقٍ "، وكونُهُ مصدراً بعيدٌ ؛ لقوله :﴿هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾، والمصدر لا يؤتى به متشابهاً، وإنما يؤتى بالمرزوق كذلك.
قوله :﴿قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾.
" قالوا " : هو العاملُ في " كلما " كما تقدّم، و" هَذَا الَّذِي رزِقْنَا " مبتدأ في محل نصب بالقول، وعائِدُ الموصول محذوفٌ ؛ لاستكماله الشُّروط، أي : رُزِقْناه.
و" مِنْ قبلُ " متعلِّقٌ به.