٢ - والذي هو أرسخ عرفا في البلاغة أن يقال إن قوله " الم " جملة برأسها، أو طائفة من حروف المعجم مستقلة بنفسها و " ذلِكَ الْكِتابُ " جملة ثانية و " لا ريب فيه " ثالثة. و " هُدىً لِلْمُتَّقِينَ " رابعة. وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة وموجب حسن النظم، حيث جي ء بها متناسقة هكذا من غير حرف نسق، وذلك لمجيئها متآخية آخذا بعضها بعنق بعض. فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها، وهلم جرا، إلى الثالثة والرابعة.
بيان ذلك أنه نبه أولا على أنه الكلام المتحدي به، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال. فكان تقريرا لجهة التحدي، وشدّا من أعضائه. ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب. ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين، فقرر بذلك كونه يقينا لا يحوم الشك حوله، ثم لم تخل كل واحدة من الأربع من نكتة ذات جزالة. ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه، وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة، وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف وفي الرابعة الحذف. ووضع المصدر الذي هو " هدى " موضع الوصف الذي هو " هاد " وإيراده منكرا. والإيجاز في ذكر المتقين.
زادنا اللّه اطلاعا على أسرار كلامه، وتبيينا لنكت تنزيله، وتوفيقا للعمل بما فيه.
الفوائد
١ - قوله تعالى : أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ.
في هذه الآية نقطة بلاغية كريمة فقد أشار سبحانه إلى تمكنهم من الهداية بأن جعلهم يعتلونها كما يعتلى الراكب المطية وهي استعارة تبعية لأنها جرت بالحرف بدلا من الاسم وبالجزء بدلا من الكل. وفي هذا التعبير سمة من سمات الاعجاز القرآني فبدلا من الوصف المباشر بأن يقول :" أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " فقد أخبر بأنهم على هداية اشارة إلى قوة الاهتداء وتمكن المؤمن من الهداية.


الصفحة التالية
Icon