وقرىء ﴿وَبَشّرِ﴾ على البناء للمفعول عطفاً على أعدت فيكون استئنافاً. والبشارة : الخبر السار فإنه يظهر أثر السرور في البَشْرة، ولذلك قال الفقهاء البشارة : هي الخبر الأول، حتى لو قال الرجل لعبيده : من بشرني بقدوم ولدي فهو حر، فأخبروه فرادى عتق أَوَلُهُم، ولو قال : من أخبرني، عتقوا جميعاً، وأما قوله تعالى :﴿فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فعلى التهكم أو على طريقة قوله : تحِيَّةُ بَيْنِهمْ ضَرْبٌ وَجيْعُ.
و﴿الصالحات﴾ جمع صالحة وهي من الصفات الغالبة التي تجري مجرى الأسماء كالحسنة، قال الحطيئة :

كَيْفَ الهِجَاءُ وما تَنْفَكُّ صالحة من آل لامٍ بظُهْرِ الغَيْبِ تَأْتِيني
وهي من الأعمال ما سوغه الشرع وحسنه، وتأنيثها على تأويل الخصلة، أو الخلة، واللام فيها للجنس، وعطف العمل على الإيمان مرتباً للحكم عليهما إشعاراً بأن السبب في استحقاق هذه البشارة مجموع الأمرين والجمع بين الوصفين، فإن الإيمان الذي هو عبارة عن التحقيق والتصديق أَسٌّ، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا غناءَ بأْسٍ لا بناء عليه، ولذلك قلما ذكرا منفردين. وفيه دليل على أنها خارجة عن مسمى الإيمان، إذ الأصل أن الشيء لا يعطفُ على نفسه ولا على ما هو داخل فيه.
﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ منصوب بنزع الخافض وإفضاء الفعل إليه، أو مجرور بإضماره مثل : الله لأفعلن. والجنة : المرة من الجن وهو مصدر جنة إذا ستره، ومدار التركيب على الستر، سمي بها الشجر المظلل لالتفاف أغصانه للمبالغة كأنه يستر ما تحته سترة واحدة قال زهير :
كأنَّ عَيني في غَربي مقتلَة من النواضِحِ تَسْقي جَنَّةً سُحُقا
أي نخلاً طوالاً، ثم البستان، لما فيه من الأشجار المتكاثفة المظللة، ثم دار الثواب لما فيها من الجنان، وقيل : سميت بذلك لأنه ستر في الدنيا ما أعد فيها للبشر من أفنان النعم كما قال سبحانه وتعالى :


الصفحة التالية
Icon