﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذا الذي رُزِقْنَا﴾ صفة ثانية لجنات، أو خبر مبتدأ محذوف، أو جملة مستأنفة. كأنه لما قيل : إن لهم جنات، وقع في خلد السامع أثمارها مثل ثمار الدنيا، أو أجناس أخر فأزيح بذلك، و ﴿كُلَّمَا﴾ نصب على الظرف، و ﴿رِزْقاً﴾ مفعول به، ومن الأولى والثانية للابتداء واقعتان موقع الحال، وأصل الكلام ومعناه : كل حين رزقوا مرزوقاً مبتدأ من الجنات مبتدأ من ثمرة، قيد الرزق بكونه مبتدأ من الجنات، وابتداؤه منها بابتدائه من ثمرة فصاحب الحال الأولى رزقاً وصاحب الحال الثانية ضميره المستكن في الحال، ويحتمل أن يكون من ثمره، بياناً تقدم كما في قولك : رأيت منك أسداً، وهذا إشارة إلى نوع ما رزقوا كقولك مشيراً إلى نهر جار : هذا الماء لا ينقطع، فإنك لا تعني به العين المشاهدة منه، بل النوع المعلوم المستمر بتعاقب جريانه وإن كانت الإشارة إلى عينه، فالمعنى هذا مثل رزقنا ولكن لما استحكم الشبه بينهما جعل ذاته ذاته كقولك : أبو يوسف أبو حنيفة.
﴿مِن قَبْلُ﴾ أي : من قبل هذا في الدنيا، جعل ثمر الجنة من جنس ثمر الدنيا لتميل النفس إليه أول ما يرى، فإنه الطباع مائلة إلى المألوف متنفرة عن غيره، ويتبين لها مزيته وكنه النعمة فيه، إذ لو كان جنساً لم يعهد ظن أنه لا يكون إلا كذلك، أو في الجنة لأن طعامها متشابه في الصورة، كما حكى ابن كثير عن الحسن رضي الله عنهما :( أن أحدهم يؤتى بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بأخرى فيراها مثل الأولى فيقول ذلك، فيقول الملك : كل فاللون واحد والطعم مختلف ).


الصفحة التالية
Icon