أو كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال :" والذي نفس محمد بيده، إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمرة ليأكلها فما هي بواصلة إلى فيه، حتى يبدل الله تعالى مكانها مثلها " فلعلهم إذ رأوها على الهيئة الأولى قالوا ذلك، والأول أظهر لمحافظته على عموم ﴿كُلَّمَا﴾ فإنه يدل على ترديدهم هذا القول كل مرة رزقوا، والداعي لهم إلى ذلك فرط استغرابهم وتبجحهم بما وجدوا من التفاوت العظيم في اللذة والتشابه البليغ في الصورة.
﴿وَأُتُواْ بِهِ متشابها﴾ اعتراض يقرر ذلك، والضمير على الأول راجع إلى ما رزقوا في الدارين فإنه مدلول عليه بقوله عز من قائل ﴿هذا الذى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ ونظيره قوله عز وجل :﴿إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فالله أولى بِهِمَا﴾ أي بجنسي الغني والفقير، وعلى الثاني إلى الرزق. فإن قيل : التشابه هو التماثل في الصفة، وهو مفقود بين ثمرات الدنيا والآخرة كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ليس في الجنة من أطعمة إلا الأسماء. قلت : التشابه بينهما حاصل في الصورة التي هي مناط الاسم دون المقدار والطعم، وهو كاف في إطلاق التشابه. هذا : وإن للآية الكريمة محملاً آخر، وهو أن مستلذات أهل الجنة في مقابلة ما رزقوا في الدنيا من المعارف والطاعات، متفاوتة في اللذة بحسب تفاوتها، فيحتمل أن يكون المراد من ﴿هذا الذى رُزِقْنَا﴾ أنه ثوابه، ومن تشابههما تماثلهما في الشرف والمزية وعلو الطبقة، فيكون هذا في الوعد نظير قوله :﴿ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الوعيد.
﴿وَلَهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ﴾ مما يستقذر من النساء ويذم من أحوالهن، كالحيض والدرن ودنس الطبع وسوء الخلق، فإن التطهير يستعمل في الأجسام والأخلاق والأفعال. وقرىء :" مطهرات" وهما لغتان فصيحتان يقال النساء فعلت وفعلن، وهن فاعلة وفواعل، قال :


الصفحة التالية
Icon