وإذَا العَذَارى بالدّخَانِ تَقَنَّعَت واسْتَعَجلتْ نَصْبَ القُدورِ فملَّت
فالجمع على اللفظ، والإِفراد على تأويل الجماعة، ومطهرة بتشديد الطاء وكسر الهاء بمعنى متطهرة، ومطهرة أبلغ من طاهرة ومطهرة للإشعار بأن مطهراً طهرهن وليس هو إلا الله عز وجل. والزوج يقال للذكر والأنثى، وهو في الأصل لما له قرين من جنسه كزوج الخف، فإن قيل : فائدة المطعوم هو التغذي ودفع ضرر الجوع، وفائدة المنكوح التوالد وحفظ النوع، وهي مستغنى عنها في الجنة. قلت : مطاعم الجنة ومناكحها وسائر أحوالها إنما تشارك نظائرها الدنيوية في بعض الصفات والاعتبارات، وتسمى بأسمائها على سبيل الاستعارة والتمثيل، ولا تشاركها في تمام حقيقتها حتى تستلزم جميع ما يلزمها وتفيد عين فائدها.
﴿وَهُمْ فِيهَا خالدون﴾ دائمون. والخلد والخلود في الأصل الثبات المديد دام أم لم يدم، ولذلك قيل للأثافي والأحجار خوالد، وللجزء الذي يبقى من الإنسان على حاله ما دام حياً خلد، ولو كان وضعه للدوام كان التقييد بالتأبيد في قوله تعالى :﴿خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ لغوا واستعماله حيث لا دوام، كقولهم وقف مخلد، يوجب اشتراكاً، أو مجازاً. والأصل ينفيهما بخلاف ما لو وضع للأعم منه فاستعمل فيه بذلك الاعتبار، كإطلاق الجسم على الإنسان مثل قوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد﴾ لكن المراد به ههنا الدوام عند الجمهور لما يشهد له من الآيات والسنن.
فإن قيل : الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية، معرضة للاستحلالات المؤدية إلى الانفكاك والانحلال فكيف يعقل خلودها في الجنان. قلت : إنه تعالى يعيدها بحيث لا يعتورها الاستحالة بأن يجعل أجزاءها مثلاً متقاومة في الكيفية، متساوية في القوة لا يقوي شيء منها على إحالة الآخر، متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض كما يشاهد في بعض المعادن.


الصفحة التالية
Icon