وإذا فسرنا الجنات بأنها الأشجار الملتفة ذوات الظل، فلا يحتاج إلى حذف.
وإذا فسرناها بالأرض ذات الأشجار، احتاج، إذ يصير التقدير من تحت أشجارها أو غرفها ومنازلها.
وقيل : عبر بتحتها عن أسافلها وأصولها.
وقيل : المعنى في تجري من تحتها : أي بأمر سكانها واختيارهم، فعبر بتحتها عن قهرهم لها وجريانها على حكمهم، كما قيل فيم قوله تعالى، حكاية عن فرعون :﴿وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ أي بأمري وقهري.
وهذا المعنى لا يناسب إلا لو كانت التلاوة : أن لهم جنات تجري من تحتهم، فيكون نظير من تحتي إذا جعل على حذف مضاف، أي من تحت أهلها، استقام المعنى الذي ذكر أنه لا يناسب، إذ ليس المعنى بأمر الجنات واختيارها.
وقيل : المعنى في من تحتها : من جهتها.
وقد روي عن مسروق : أن أنهار الجنة تجري في غير أخاديد، وأنها تجري على سطح أرض الجنة منبسطة.
وإذا صح هذا النقل، فهو أبلغ في النزهة، وأحلى في المنظر، وأبهج للنفس.
فإن الماء الجاري ينبسط على وجه الأرض جوهره فيحسن اندفاعه وتكسره، وأحسن البساتين ما كانت أشجاره ملتفة وظله ضافياً وماؤه صافياً منساباً على وجه أرضه، لا سيما الجنة، حصباؤها الدر والياقوت واللؤلؤ، فتنكسر تلك المياه على ذلك الحصى، ويجلو صفاء الماء بهجة تلك الجواهر، وتسمع لذلك الماء المتكسر على تلك اليواقيت واللآلىء له خريراً، قال شيخنا الأديب البارع أبو الحكم مالك بن المرحل المالقي، رحمه الله تعالى، من كلمة :
وتحدث الماء الزلال مع الحصى...
فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى
خرج الترمذي من حديث حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي ﷺ :" إن في الجنة بحر الماء، وبحر العسل، وبحر اللبن، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار بعده " ويؤيد هذا الحديث قوله تعالى :﴿فيها أنهار من ماء غير آسن﴾ الآية.