ولما كانت الجنة لا تشوق، والروض لا يروق إلا بالماء الذي يقوم لها مقام الأرواح للأشباح، ما كاد مجيء ذكرها إلا مشفوعاً بذكر الأنهار، مقدماً هذا الوصف فيها على سائر الأوصاف.
قال ابن عطية : نسب الجري إلى النهر، وإنما يجري الماء وحده توسعاً وتجوزاً، كما قال تعالى :﴿واسئل القرية﴾ وكما قال الشاعر :
نبئت أن النار بعدك أوقدت...
واستب بعدك يا كليب المجلس
انتهى كلامه.
وناقض قوله هذا ما شرح به الأنهار قبله بنحو من خمسة أسطر قال : والأنهار المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة، انتهى كلامه.
والألف واللام في الأنهار للجنس، قال الزمخشري : أو يراد أنهارها، فعوض التعريف باللام من تعريف الإضافة، كقوله تعالى :﴿واشتعل الرأس شيباً﴾ وهذا الذي ذكره الزمخشري، وهو أن الألف واللام تكون عوضاً من الإضافة، ليس مذهب البصريين، بل شيء ذهب إليه الكوفيون، وعليه خرج بعض الناس قوله تعالى :﴿مفتحة لهم الأبواب﴾ أي أبوابها.
وأما البصريون فيتأولون هذا على غير هذا الوجه ويجعلون الضمير محذوفاً، أي الأبواب منها، ولو كانت الألف واللام عوضاً من الإضافة لما أتى بالضمير مع الألف واللام، وقال الشاعر :
قطوب رحيب الجيب منها رقيقة...
بجس الندامى بضة المتجرد
ويجوز أن تكون الألف واللام للعهد الثابت في الذهن من الأنهار الأربعة المذكورة في سورة القتال.
وجاء هذا الجمع بصيغة جمع القلة إشارة إلى الأنهار الأربعة، إن قلنا : إن الألف واللام فيها للعهد، أو إشارة إلى أنهار الماء، وهي أربعة أو خمسة، في الصحيح.


الصفحة التالية
Icon