جواب آخر وهو أن ذلك كان حيلة لاجتماع شمله بأخيه، وفصله عنهم إليه، وهذا بناء على أن بنيامين لم يعلم بدسّ الصاع في رحله، ولا أخبره بنفسه.
وقد قيل : إن معنى الكلام الاستفهام ؛ أي أو إنكم لسارقون؟ كقوله :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] أي أوَ تلك نعمة تمنها عليّ؟ والغرض ألاّ يعزى إلى يوسف ﷺ الكذب.
﴿ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) ﴾
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ ﴾.
البعير هنا الجمل في قول أكثر المفسرين.
وقيل : إنه الحمار، وهي لغة لبعض العرب ؛ قاله مجاهد واختاره.
وقال مجاهد : الزعيم هو المؤذن الذي قال :"أَيَّتُهَا الْعِيرُ".
والزعيم والكَفيل والحَمِيل والضّمين والقَبِيل سواء والزعيم الرئيس.
قال :
وإنِّي زَعيمٌ إنْ رَجعتُ مُمَلَّكا...
بِسَيْرٍ تَرَى مِنهُ الفُرَانِق أَزوَرَا
وقالت ليلى الأخيلية تَرثي أخاها :
ومُخَرَّقٍ عنهُ القميصُ تَخَالُهُ...
يومَ اللِّقاءِ من الحياءِ سَقِيمَا
حَتَّى إذا رَفَعَ اللِّوَاءَ رأيتَهُ...
( تحتَ اللِّواءِ ) على الخَمِيِس زَعِيَما
الثانية : إن قيل : كيف ضمن حمل البعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح؟ قيل له : حمل البعير كان معيناً معلوماً عندهم كالوَسْق ؛ فصح ضمانه، غير أنه ( كان ) بدل مالٍ للسارق، ولا يحل للسارق ذلك، فلعله كان يصحّ في شرعهم أو كان هذا جعالة، وبذل مال لمن ( كان ) يفتّش ويطلب.
الثالثة : قال بعض العلماء : في هذه الآية دليلان : أحدهما جواز الجُعْل وقد أجيز للضرورة ؛ فإنه يجوز فيه من الجهالة ما لا يجوز في غيره ؛ فإذا قال الرجل : من فعل كذا فله كذا صح.